المباراة المحصورة في «اللبنانية»: المجلس الدستوري ينقلب على نفسه؟

فاتن الحاج
ترفع رئاسة الجامعة اللبنانية، اليوم، كتاباً بالوظائف الإدارية الشاغرة فيها إلى مجلس الخدمة المدنية لملئها بـ«المباراة المحصورة» بالموظفين والعاملين في الجامعة، والمزمع إجراؤها مع بداية العام الجامعي المقبل، على أن يناقش الطرفان آلية تنظيم المباراة وشروط الترشيح وغيرها، مباشرة بعد عطلة آب. وفي الموازاة، ستسير إدارة الجامعة في خيار المباراة المفتوحة عبر مجلس الخدمة المدنية، عملاً بالمرسوم الصادر عن مجلس الوزراء والذي يجيز لها توظيف 240 اختصاصياً في مجال المعلوماتية والمعلوماتية الإدارية والمحاسبة وإدارة الأعمال ومحضّري المختبرات وغيرهم.
وتأتي هذه الإجراءات بعدما أصدر المجلس الدستوري قراراً بعدم إبطال قانون المباراة المحصورة الذي طعنت به النائبة بولا يعقوبيان وعدد من النواب، مبرّراً رأيه بـ «تحقّق المصلحة العامة، ولأنّ القوانين النافذة منعت التوظيف، الأمر الذي لا يقوّض مبدأ المساواة المنصوص عنه في الدستور».
وكانت يعقوبيان طالبت بإبطال جزئي للقانون، أي باستبدال كلمة «محصورة» بكلمة «مفتوحة» أينما وردت في القانون، «ما يسمح بمنافسة أكثر بين المرشحين ويقطع الطريق على الزبائنية والمحسوبيات».
مصادر الموظفين أقرّت بأنّ القانون يخالف مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وقواعد التوظيف ويقصي الفئات الشابة، لكنهم لفتوا إلى أنّ المباراة المفتوحة تضع 1000 مدرب في «منافسة غير متكافئة» مع متخرّجين جدد، ما سيفوّت عليهم فرصة الاستقرار الوظيفي المنتظرة منذ تسعينيات القرن الماضي.
القانون يخالف مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وقواعد التوظيف ويقصي الفئات الشابة
الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري، جهاد إسماعيل، رأى أنّ قرار المجلس الدّستوري حرم جزءاً من اللبنانيين من الترشح للوظيفة العامة لمجرّد أنّ هؤلاء لم يحصلوا على امتياز التوظيف من الأحزاب السياسية، معتبراً أنّ المجلس «انقلب على اجتهاداته السابقة في شأن مقاربة مبدأ المساواة، عندما قال إنّ المبدأ متحقّق بمجرد أنه ليس هناك تمييز بين العاملين في الجامعة اللبنانية، أي بين فئة معيّنة من اللبنانيين، في حين أنّ المجلس أشار، في قراره الرقم 23/2019، إلى أنّ مبدأ المساواة يطبّق بين لبناني وآخر على إطلاقهم، أيّ بمعزل عن الامتياز الّذي أولاه الواقع له، لا سيّما عندما أكّد أنّ حفظ حق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية بالتعيين بموجب المادة 80 من القانون الرقم 144/2019 (قانون الموازنة العامة في عام 2019) يخرق مبدأ مساواة اللبنانيين في تولّي الوظائف العامة المنصوص عليه في المادة 12 من الدستور، عبر قطعه الطريق أمام سائر اللبنانيين لتقديم ترشيحاتهم لتولّي الوظائف المحفوظ حق الناجحين في إشغالها، علماً أنّ الناجح في مباراة مجلس الخدمة المدنية استحوذ على الشروط العامة للاستحقاق والجدارة المعطوفة على المادة 12 من الدستور بما يميّزه عن سائر اللبنانيين، فيما لم يجز التعاقد للعاملين في الجامعة اللبنانية تحقيق الشروط العامة والخاصة المسبقة في التوظيف».
في اجتهاده المستقر، حرّم المجلس الدستوري، بحسب إسماعيل، مخالفة مبدأ المساواة، ويمكن الخروج عن هذا المبدأ في حالتين: الأولى وجود أفراد في أوضاع قانونية مختلفة عن بقية المواطنين، أيّ وجود أوضاع تبرّر تجاوز حظر التمييز بين لبناني وآخر الوارد في المادة 12 من الدستور، إلا من حيث حالات الجدارة والاستحقاق، «وهذه الحالات لا تتحقّق بمجرد أنّ شخصاً تعاقد في الجامعة اللبنانية ولبنانياً آخر لم تسمح له الفرصة في التعاقد، أمّا الحالة الثانية، وهي وجود مصلحة عامة، والّتي برّرها المجلس الدستوري بملء الشغور في الجامعة اللبنانية في ظل منع القوانين اللبنانية للتوظيف، وهو تبريرٌ يقود إلى الاعتقاد بأنّ الشغور حالة غير متوقّعة أو مستقلة عن إرادة السلطة، في حين أنّ تحقق الاستثناء الموجب لتجاوز النصّ الدستوري لا ينهض إلا في حالة عجز السلطة عن مواجهة الظرف المشكو منه إلا بالوسائل الاستثنائية، وهو أمر منافٍ للمنطق، لا سيّما أنّ قرار مراكمة الشغور اتّخذ بقرار من السلطة نفسها».
ويبرّر إسماعيل وجهة نظره بالقول إنّ التوظيف، وفق الفقرتين الأولى والثانية من المادة 80 من القانون الرقم 144/2019، معلّق على شرط المسح الوظيفي الشامل في إدارات الدولة ومؤسساتها ومصالحها وصناديقها، وبالتالي بعدما أجرى مجلس الخدمة المدنية هذا المسح الوظيفي عام 2022، واطّلعت عليه الحكومة، لم يعُد جائزاً القول إنّ التوظيف غير ممكن، لكونه صار متحقّق الوقوع فور إجراء المسح الشامل، ما لا يمنع الحكومة أن تتّخذ قراراً بإعلان مباريات جديدة من دون أيّ قيد أو حصر، ما يجيز الاستنتاج أنّ قرار المجلس الدستوري بنى فكرة جواز الاستثناء على أمرٍ صار منتفياً بحكم القانون منذ العام 2022، عدا أنه كان في إمكان مجلس النواب انتهاج الوسائل العادية، بدلاً من الاستثنائية، أيّ في إقرار قانون جديد يجيز التوظيف فور تعطيل تفسير الإرادة الحقيقية للمشرّع».
الاخبار