اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

الأمن في وضح النهار والتشليح ليلاً… على مرأى الدولة؟

حسين بداح

الدرّاجات النارية وسيلة يعتمد عليها جزء كبير من الشعب اللبناني للتنقل، في ظل أزمة السير الخانقة التي تشهدها البلاد يومياً، والتي عجز منظّمو السير عن إيجاد حلول لها منذ عقود.

طريق المطار ساحة… والمتفرّجون كٌثُر
يخرج الشاب صباحاً من منزله على متن دراجته النارية، سالكاً طريق التعب والجهد، باحثاً عن أجر يؤمّن له بمشقّة لقمة العيش طوال الشهر. ومع انقضاء ساعات العمل وغياب الشمس تدريجياً، يبدأ خطر من نوع آخر، هو «الدوام الليلي» للّصوص وقطّاع الطرق، الذين عجزت الدولة والأحزاب المسيطرة عن وضع حد لنشاطهم، رغم أن كل حزب في كل منطقة يملك معلومات كافية عن هويات هؤلاء، ما يمكّنه – في الحد الأدنى – من تسليمها للأجهزة الأمنية إن لم يرغب بالتدخل المباشر. إلا أنّ الواقع يشي بأن غضّ النظر والتستّر هما الحل المفضّل لدى كثير من الجهات «المسؤولة»، ولأسباب معروفة.

تُعد طريق المطار النقطة الأخطر في هذا المجال. ورغم أنها تمرّ بمناطق متعددة، فإنها لا تزال مسرحاً دائماً لعمليات السطو المسلّح، في شقّيها القديم والجديد، بما يشمل «طريق الأسد» وطريق الرحاب، نزولاً إلى خط الكولا.

«صغير أو كبير» أنت فريسة لقطّاع الطرق
اللافت في الأمر، أنّ «المشلّح» لا يفرّق بين مراهق أو شاب أو مسنّ، وهذا ما واجهه حسن ابن الخمسة عشر ربيعاً، عندما تعرّض لعملية سطو مسلح عند مستديرة الجندولين مساء السبت، فاضطر إلى تسليم الدراجة النارية بالإكراه، بعد أن لمست فوّهة المسدس رأسه، مع العلم أنه يقطن على بعد أمتارٍ من مكان وقوع الحادثة.

وفي سياق متصل في حارة حريك، تعرّض شاب لسطو مسلح فيما كان ينتظر زوجته على متن دراجته النارية، بعد أن أشهر اللصوص أسلحتهم وأطلقوا النار في الهواء، وهنا كان الاستسلام هو الخيار الأنسب، بدلاً من الموت على يد مجموعة من مدمني المخدّرات.
والحقيقة، أن هذه الظاهرة ليست جديدة، بل عمرها سنوات وسنوات، وحتى الآن لم تتخذ الدولة قراراً بالمحاولة على الأقل، لوضع حدٍّ لها.

حملات أمنية على السائقين وليس على السارقين!
على صعيدٍ آخر، تقرّر الدولة بين حين وآخر «مواجهة» السائقين في شوارع المدينة وضواحيها من خلال حملات أمنية غير مُعلن عنها، وما يُعرف بالمصطلح الشعبي «الحواجز الطيّارة».

تصادر خلال هذه الحملات دراجات نارية غير القانونية، أو حتى تلك التي قد تكون قانونية ولكن مع مخالفة، لكن مصيرها قد يتحدد وفق «مزاج» عناصر الحملة، فتارةً ينتهي الموضوع بضبط، وأخرى بحجز الدراجة، حتى بات المواطن عاجزاً عن معرفة الإجراء القانوني الحقيقي.

وفي هذا الإطار، صادرت الدولة خلال السنوات الماضية عدداً كبيراً من الدراجات، في فترات كانت فيها مصلحة تسجيل السيارات (النافعة) معطّلة، خارجة عن الخدمة، نتيجة الفساد المتغلغل في زواياها، وفي أدراج موظفيها وسماسرتها.
الأمران ليسا ضدّين، وليسا مرتبطين بشكلٍ مباشر، ولكن قدرة القوى الأمنية على فرض هيبتها من خلال مصادرة الدراجات النارية، تؤكد أنها قادرة على فرض هيبتها من خلال بسط سلطتها في كل المناطق وعلى «اللي عجبه واللي ما عجبه»، لكن السؤال، هل الدولة تتحرّك؟

يؤكد مصدر أمني في قوى الأمن الداخلي أن القوى الأمنية تلاحق عصابات سرقة الدراجات النارية باستمرار، بعد استقصاءات معيّنة ومعلومات، وبعض الشكاوى، لكنّ استمرار هذه العمليات ليس تقصيراً من قبلها، بل قد تكون هناك أعمال فردية أو عصابات حديثة النشأة، نتيجة الإدمان على المخدّرات، والسعي لتأمين ثمن شرائها بطرقٍ شتّى.
ويعتبر المصدر الأمني، أنّ عمليّات «التشليح» قلّت نسبياً منذ شهرٍ إلى الوراء، بعد إلقاء القبض على أهم العصابات في هذا المجال، إلّا أن المواطن لا يعتبر أنّ هذه العمليات تسيرُ بوتيرةٍ مستقيمة وتكاد تصبح مرتفعة أحياناً.

وبما أنّنا ذكرنا الحواجز وارتفاع كلفة التسجيل وغيرها من الكلف المحدّدة في إطار السير بشكلٍ قانوني، نعود ونستذكر أزمة النافعة، من المماطلة إلى جشع السماسرة، وصولاً إلى الفساد وارتفاع التكاليف بشكلٍ جنوني.

مزاجية «النافعة»… تكاليف مرتفعة وحالة مادية يُرثى لها
الدولة تعرف حقّ المعرفة، أن تسجيل الدراجة، والحصول على دفتر سوق، وتأمين، وميكانيك، خدمات قد تتجاوز كلفتها نصف ثمن الدراجة النارية. ورغم ذلك، يبقى مالكها معرّضاً لفقدانها في أي لحظة بسبب الفلتان الأمني وغياب الأجهزة المختصة عن السمع.

في الواقع، نحن لسنا ضدّ الحملات الأمنية، فتطبيق القوانين ليس أمراً سيئاً بحدّ ذاته، لكنه في ظل التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني، بات شبه مستحيل بالنسبة إلى كثير من المواطنين.

المواطن الذي يتقاضى ما بين 300 و400 دولار شهرياً، ويقترض ثمن دراجة نارية للتنقل، ثم يُفاجأ بكلفة إضافية لتشريع وضعها، قد توازي دخله لشهرٍ كامل أو أكثر، من الطبيعي أن يُبقي دراجته غير قانونية لبضعة أشهر، على أقل تقدير.

الاخبار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى