“الهيئات الاقتصادية” أرادت إدانة السلطة.. فأدانت نفسها أيضاً

رفضت الهيئات الاقتصادية، ما وصفته بـ”الاستدعاءات بالجملة، وبغير وجه حق لمعظم المقاولين” ومثولهم أمام القضاء، في حين كان على الدولة “دعوة المقاولين للنظر في أوضاعهم وفي كيفية مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم، عبر دفع مستحقاتهم المتوجبة على الدولة منذ سنوات، وإقرار تسهيلات وإعفاءات تتعلق بالضمان والضرائب والرسوم على اختلافها، لتمكينهم من الحفاظ على مؤسساتهم وعلى آلاف العاملين في هذا القطاع”.
“مفخرة لبنان”!
دفاع الهيئات الاقتصادية عن المقاولين، خلال جلسة عقدت يوم الخميس 4 حزيران، استند إلى اعتبار أن هذا القطاع، هو “مفخرة لبنان لإنجازاته التي لا تعد ولا تحصى والتي حققها في الداخل والخارج، والاحترام والتقدير الذي حاز عليهما أينما حل وأينما عمل”.
لم تجد الهيئات مبرراً للاستدعاءات، غير وجود “نيات مبيتة للإساءة للقطاع وللمقاولين، ولتشويه سمعتهم أمام الرأي العام اللبناني، تمهيداً لضرب هذا القطاع الذي يشكل 30 في المئة من الناتج الوطني، والانقضاض على العاملين فيه”. ولم يبقَ أمام الهيئات سوى سؤال الحكومة عمّا اذا كانت وظيفته “التخريب أم البناء؟”.
انطلاقاً من خلاصتها، يبدو أن الهيئات الاقتصادية تناست ما راكمه بعض المقاولين من أرباح على حساب المال العام، جرّاء منطق التحاصص السياسي والطائفي لمشاريع الدولة. وعليه، فإن بعض الاستدعاءات لا تصب أبداً في خانة “قتل القطاع الخاص ودفنه”، كما تروّج الهيئات التي تمثّل أصحاب المكاسب وأرباب الوكالات الحصرية، التي استفادت وما زالت من الفساد الذي ينخر هذا النظام.
“سلطة النهج المدمّر”
وإن كان هناك من يشوّه صورة القطاع الخاص، فهو بعض أهل هذا القطاع، الذين تماهوا مع فساد أهل السياسة. وما مشاريع الجسور والطرقات ومطامر النفايات وسائر تلزيمات البنى التحتية، سوى مؤشرات على عمق العلاقة بين جملة من المقاولين وأرباب السلطة. حتى بات من السهل جداً تمييز الجهات المستفيدة من أي مشروع، ما إن تُعرَف الشركة أو المقاول الذي التزم المشروع.
برغم كل ذلك الوضوح، آثرت الهيئات الاقتصادية استعمال لغة لم تألفها من قبل، وهي الاستدلال على الدولة بكلمة “السلطة”. إذ طالبت الهيئات “السلطة، بتغيير هذا النهج المدمر ووقف إهدار الوقت وإلهاء اللبنانيين بأمور لن يخرج منها سوى الغبار، لحجب الرؤية والتضليل وإزاحة النظر عن المكان الحقيقي للارتكابات والخسائر”.
علماً ان الهيئات الاقتصادية كانت الشريك الأبرز لتلك السلطة حتى الأمس القريب، عبر حكومة سعد الحريري الأخيرة، وتحديداً عبر توزير رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير. فما الذي تغيّر بين حلفاء الأمس؟
صدقَت الهيئات بتوصيفٍ وحيد، وهو أن “كل هذه الممارسات التي شهدناها ونشهدها هي ممارسات شعبوية لاصطناع قضايا وانتصارات وهمية، وهي بكل تأكيد لن تعالج الخلل والأزمة الحقيقية الحاصلة”. لكن صدق التوصيف يختلف عن الهدف المراد خلف هذا الوصف. فالانتصارات الوهمية التي تحاول السلطة اصطناعها لن تضر بالمقاولين المحظيين بحمايات سياسية، وانما ستضر بالمال العام وحقوق الدولة والمواطنين. فما تم نهبه من المشاريع العامة، لن يعود في ظل النهج القائم للسلطة السياسية، وإن اختلف توزيع الأدوار بين مكوّناتها، سواء كانت في الحكومة أم خارجها.
وكذلك، صدقت الهيئات في أن “العلاج الحقيقي هو في معالجة جوهر المشكلات وليس مظاهرها، هو في استعادة الثقة وباستعادة دور الدولة ومرجعيتها وسلطتها، هو في سد الثقوب والفجوات في مالية الدولة أولاً وبزيادة ايرادات الدولة ثانياً، هو في اتخاذ اجراءات صارمة لوقف التهرب الضريبي والتهريب، إلى إنهاء الاقتصاد غير الشرعي ودعم وتحفيز الاقتصاد الشرعي. هو بالوقوف إلى جانب القطاعات والمؤسسات وحمايتها برموش العين ودعمها وتحفيزها، هو بالبدء بتنفيذ الاصلاحات وإجراء التعيينات على اختلافها لا سيما الهيئات الناظمة والتركيز بالدرجة الأولى على الكهرباء التي كبدت الدولة أكثر من 45 مليار دولار، وهو أيضا وبشكل أساسي العمل على انجاج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لأنه المنفذ الوحيد المتبقي للبنان للحصول على سيولة هو بأشد الحاجة اليها اليوم وفي السنوات المقبلة”…
لكن اعتماد هذه الخطوات يضرّ بجهات كثيرة تتلطّى تحت عباءة الهيئات نفسها، وتتلطّى خلف الدعم السياسي لأهل السلطة.
المدن