قرار ظنّي للقاضي حسن حمدان بحقّ محام دعا إلى عدم التبرع بالدم للمصابين بتفجيرات “البيجر”!

أصدر قاضي التحقيق في بيروت حسن حمدان في 16 كانون الأوّل 2025، قرارًا ظنيًا إعتبر فيه أنّ ما كتبه أ. أ. س. على منصّة “اكس” في اليوم التالي لتفجير العدوّ الإسرائيلي أجهزة “البيجر” ودعوته العلنية والصريحة إلى عدم التبرع بالدمّ للمصابين، جناية تستوجب المحاكمة أمام محكمة الجنايات في بيروت كون كتاباته تضعف الشعور القومي وتوقظ النعرات المذهبية وفقًا للمادة 295 من قانون العقوبات.
وقد جاء في القرار ما يلي:” تبيّن أنه بتاريخ 2024/9/19، نظّمت النيابة العامة الإستئنافية في بيروت، محضر معلومات بجرم مشهود أوردت فيه:أنها اطلعت عبر وسائل التواصل الإجتماعي، تحديداً منصة “X”، على منشورَين صادرَين عن المدعى عليه بتاريخ 2024/9/18، على حسابه المسمى:يعلّق فيهما على الهجوم الذي نفذه العدو الإسرائيلي، بتفجير أجهزة “pagers” عن بعد، أو ما اصطلح على تسميته “هجوم البيجر”، وتسـبّب باستشهاد العشرات وإصـابة المئات، محرّضاً الشعب اللبناني على عدم التبرّع بالدم، منعاً لاختلاط الدم اللبناني بالدم الإيراني الإرهابي.
ففي المنشور الأول كتب :
“حرّ تتبرع بالدم، وحرّ ما تتبرع منعاً لاختلاط الدم اللبناني بالإيراني الإرهابي الحارس لإسرائيل ومحلّل دم العرب”.
وفي المنشور الثاني كتب :
“لا تتبرعوا بالدم اللبناني للإحتلال الإيراني
لا تتبرعوا بالدم اللبناني لإرهاب 7 ايار
لا تتبرعوا بالدم اللبناني لمن اوقف تحقيق المرفأ
لا تتبرعوا بالدم اللبناني لقاتل الرفيق والرفاق
لا تتبرعوا بالدم اللبناني لمن اسقط الكيان اللبناني
لا تتبرعوا بالدم لمن يهدّد لبناني”.
بناءً على هذا التقرير، تحركت الدعوى العامة وبوشرت اجراءات، وأحيلت الأوراق للتحقيق أمام هذه الدائرة.
في إفادته، قال المدعى عليه إنّه أقدم على تدوين العبارات المشكو منها، وقت تعرّض لحملات تخـوين تتهمه بالإسرائيلي، بعد نـشر عبارات مرتبطة بذكرى استشهاد الرئيس بشير الجميل. ولم يكن يقصد عدم التعاون مع الجرحى والمصابين، لا سيّما من هم بحاجة إلى الدم، وقد سبق ودوّن مباشرة قبل العبارات المشكو منها عبارات تدعو كلّ شخص برغبته التبرّع بالدم للمصابين أو من عدمه، كون هذا الأمر حقاً شخصـياً. واعداً بتدوين عبارات توضيحية على المنصة عينها، حيث دوّن العبارات المشكو منها.
وبتاريخ 2024/10/22، قدّم المدعى عليه مذكرة، ارفقها بصورة عن منشور جديد له بتاريخ 2024/10/20 على ذات الحساب، أورد فيه ما حرفيته:”إنّ ما ورد مني سابقاً (يقصد المنشورَين أعلاه)، لم اقصد فيه انني لا أتألم لفقدان الضحايا من اخوتنا اللبنانيين، ولا يعني أنني لا اتعاطف مع المصابين والجرحى الذين نبدي تعاطفاً معهم، لا بل أننا نحزن للتدمير والتهجير الحاصلين، لكن ذلك لن يمنعني من الإحتفاظ باستمرار النضال بوجه أيّ احتلال”.
ثانياً: في القانون
حيث إنّ ما هو منسوب إلى المدعى عليه من جرائم، جاء النص عليها في المادتين /295/ و/317/ من قانون العقوبات.
وحيث يتعيّن النظر في مدى توافر أدلة على قيام عناصر هاتين الجريمتين، بعد بيان مضمون هذه العناصر.
وحيث في هذا السياق، تجرّم المادة /295/ عقوبات ” من قام في زمن الحرب أو عند توقّع نشوبها، بدعاوة ترمي إلى أضعاف الشعور القومي، أو ايقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية”.
وحيث إنّ هذه الجريمة تقوم على ركيزتين اثنتين:
– صدور دعوة عن المدعى عليه، مع نية المساس بالتضامن القومي أو الوطني، أو إثارة العصبيات العنصرية أو المذهبية.
– وقوع تلك الدعوة في زمن يكون فيه لبنان في حالة حرب مع عدو، أو تكون الحرب مما يتوقع حصوله حسب تطور الأوضاع وتدحرجها.
وحيث إنّ ما أورده المدعى عليه في منشورَيه المشار إليهما أعلاه، تضمّن اتهام الضحايا الذين أصابتهم تفجيرات البيجر، على خلفية انتمائهم السياسي، بأنهم ليسوا لبنانيين، بدليل كتابته الصـريحة لجهة وجوب عدم اختلاط الدم اللبناني بذلك الإيراني. رغم أنّ كل المصابين، إلا النذر اليسير منهم، كانوا أطفالاً ونساء ورجالاً لبنانيين. بحيث إنّ نعتهم بغير اللبنانيين، سيفـضي بلا ريب إلى إضعاف التضامن معهم، ممّن يتأثر بكلامه ويخالفهم الرأي السياسي، فضلاً عن إيقاظ البعد الطائفي والمذهبي، بفعل التكوين الإجتماعي والسياسي اللبناني الذي يتّصف بالدقة والحساسية المعروفَين.
وحيث إنّ ما سبق، يحقّق الركيزة الأولى للجريمة الجاري البحث فيها.
وحيث بالنسبة إلى الركيزة الثانية، وهي حصول الدعوة في زمن الحرب أو عند توقع حصولها، فالواضح أنّ هجوم البيجر حصل في فترة كانت فيها الحرب مشتعلة بين لبنان والإحتلال الاسرائيلي في حدود معينة، علماً أنّ الهجوم وتداعياته، أعطت دلائل جليّة حول أرجحية عالية لنشوب حرب شاملة. فتكون الركيزة الثانية قائمة أيضاً في حالة المدعى عليه.
وحيث تمـسي عنـاصر المادة /295/ المحكي عنها متحققةً بحق المدعى عليه. ولا يغيّر في ذلك، المنشور الذي دوّنه بتاريخ 2024/10/20، أي بعد أكثر من شهر، على منشورَيه محل الملاحقة في الملف الحاضر، بفعل اكتمال آثار هذين المنشورَين سياسياً ونفسياً.
وحيث على صعيد ثان، تنص المادة /317/ من قانون العقوبات على أنه يعدّ جريمةً : ” كلّ عمل أو كتابة، وكلّ خطاب يقصد منها أو ينتج عنها، إثارة النعرات المذهبية أو العنـصرية أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة..” .
وحيث إنّ الجريمة المحدّدة عناصرها في هذه المادة، تقوم بإحدى صورها على مجرد صدور كتابة عن المدعى عليه ينتج عنها، إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية.
وحيث بمراجعة فحوى منشورَيه محل الملاحقة في الملف الراهن مجدداً، خاصة الثاني، يتبيّن بما لا شك فيه، أنه يذكر حوادث حصلت بين الجماعات اللبنانية في تواريخ سابقة، ويربط بينها وبين الفئّة التي أصابتها هجمات البيجر، على نحو يخلق نزاعات ذات بعد طائفي؛ إذ إنّ المدعى عليه ليس شخصياً هامشياً، إنما هو محام مسيّس ومطّلع، ولديه شهادة علمية عليا، فيكون لكلامه وقع على قطاع وازن من الشعب اللبناني.
وحيث والحالة هذه، تغدو عناصر المادة /317/ عقوبات، قائمةً كذلك في حق المدعى عليه.
وحيث نظراً للتلازم، يقتضي اتباع الجنحة بالجناية.
لهذه الأسباب،
ووفقاً للمطالعة،
يقرّر:
أولاً: اعتبار فعل المدعى أ. س. مؤلفاً للجناية المنصوص عليها في المادة /295/ من قانون العقوبات، والظن به بجنحة المادة /317/ من القانون عينه، وإتباع الجنحة بالجناية للتلازم، وتدريكه الرسوم والمصاريف.
ثانياً: إيداع الملف جانب النيابة العامة الإستئنافية في بيروت لإحالته الى المرجع المختص.”
“محكمة” – الثلاثاء في 2025/12/16



