اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

حكم المحكمة.. الوجه الآخر لمواقف ماكرون

هتاف دهام

بعد مرور 15 عاما من التحقيقات بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصرف حوالي مليار دولار، يصح القول إن حكم المحكمة الدولية الخاصة، قلب الامور رأسا على عقب عند بعض القوى السياسية المحلية التي كانت تنتظر حكما يدين “حزب الله” وسوريا واذ بها تصعق من حكم دان شخصا واحدا(سليم عياش) وبرأ ثلاثة متهمين (حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي) واسقط الملاحقة عن مصطفى بدر الدين  بسبب وفاته. فالحكم دفع الى اثبات الحقيقة بالكلفة الادنى  وخضع لمفهوم العدالة التصالحية والتأسيس للسلم الاهلي. 

الحكم حمال أوجه، فالصحف الخليجية اليوم قرأت فيه اتهاما ل “حزب الله”، في حين انه لم يقنع الكثيرين في الداخل ولو ان بعض هؤلاء يلتزم الصمت لأنه يعلم خبايا ما جرى ويجري على مستوى التسويات الخارجية وارتباطها بلبنان، خاصة وان قوى سياسية عديدة تجاهر بالقول ان هذه المحكمة التي كانت بمثابة فتيل الاشتعال الاول بين السنة والشيعة خف وهجها بعد أحداث سوريا والربيع العربي. 


عندما قررت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إرجاء النطق بالحكم في قضية اغتيال الشهيد الحريري، من 7 إلى 18 آب الجاري عقب انفجار المرفأ، ربطت قوى سياسية تنضوي تحت لواء 8 و14 آذار  التأجيل، بغايات وأهداف سياسية لا تتصل بتفجير بيروت، فلم تقتنع هذه القوى باتكاء المحكمة في قرارها على ذريعة احترام الأعداد الكبيرة من ضحايا الانفجار المدمّر، ليأتي الحكم يوم امس ويؤكد ان المحكمة تحتكم الى “قانون السياسة” لا الى  “قانون العدالة”، فكان هناك تقصد في إضفاء الطابع الفردي على عملية الاغتيال، وتعمد في الاضاءة على عدم وجود ادلة تدين “حزب الله” وسوريا، علما ان المحكمة كان بامكانها اغفال هذا الامر بدل التصويب عليه بطريق اظهرت المغالطات في أدائها ، فجاءت مفاعيل حكمها سلبية على الشعب وبعض المكونات السياسية وان اختلف تقييمهم لأسباب التململ من المحكمة التي لطالما لم يعترف بها “حزب الله” واعتبرها مسيسة وتفتقد الى المصداقية في عملها. 

لكن ماذا بعد حكم لاهاي؟ 

تظن اوساط سياسية ان الحكم الذي صدر عن المحكمة الدولية لا يمكن فصله عن الحراك الدولي والخارجي تجاه لبنان، بالتالي فإنه سيكون مقدمة لترتيب الساحة اللبنانية والتأكيد على التوازن بين القوى الاساسية، وقد يكون بمثابة الوجه الآخر لما صرح به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من قصر الصنوبر، فماكرون الذي طرح تغيير صيغة الحكم ووضع ميثاق جديد للبنان، لم يأت على ضرورة التعاون مع “حزب الله” انما تحييد الحزب في الوقت الراهن وتنظيم الخلاف معه، وتشكيل حكومة حيادية. وهنا فان وجهة نظر الاوساط السياسية ترجح  ان ينصب  الجهد السياسي بين القوى الاساسية على التوفيق بين الطروحات المتعارضة والذهاب نحو تأليف حكومة مخففة سياسيا بيانها الوزاري الاصلاحات ومحاربة الفساد انطلاقا من الحاجة الى حكومة تفاوض صندوق النقد الدولي وتنفذ الاصلاحات المطلوبة منها للحصول على اموال سيدر. 

ومع ذلك، فإن حكم المحكمة الذي قرأ فيه بعض المتابعين تبرئة لحزب الله، وانتقيت كلماته بدقة وخيطت عبارته بناء على تفاوض اقليمي – دولي، لن يكون شيكاً على بياض للحزب، والثمن الذي على لبنان ان يدفعه سيكون، بحسب الأوساط السياسية، في ملف ترسيم الحدود الذي سيحضر كبند اساس في لقاءات مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد شينكر نهاية الشهر الجاري في لبنان مع القيادات السياسية، لا سيما وان الاجواء التي رشحت في الساعات الماضية، تشير الى ان التسويات الخارجية في الاشهر المقبلة قد تنتج حلا يناسب لبنان والمنطقة طالما ان هناك تقدما على مسار ترسيم الحدود البحرية، علما ان البعض الاخر لا يبدي تفاؤلا على الاطلاق تجاه حل ملفات الداخل، من منطلق ان النافذة التي فتحت  لحزب الله من خلال حكم المحكمة، لن يتلقفها الاخير لحساباته واجنداته الاقليمية المرتبطة بايران التي جمدت مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية ظنا منها ان التفاوض مع مرشح الديمقراطيين جو بايدن سيحدث انفراجاً.

لبنان ٢٤

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى