اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»: فَلْـ«نغيّر وجه» القرن الأفريقي أيضاً

محمد عبد الكريم أحمد

لم تكد الأنظار تشيح عن تطوّر الأحداث في اليمن وتبعاتها، في ما وُصف بأنه خَلْق لـ»حالة سودانية» في جنوب السعودية وعلى الحدود مع سلطنة عمان على إثر تمدُّد القوات الموالية للإمارات هناك، حتى شهد الجانب الآخر من جنوب البحر الأحمر في الصومال، تطوّراً لا يقلّ خطورة، تمثّل في اعتراف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بإقليم «أرض الصومال»، دولةً مستقلّة. هذا التطوّر اللافت، الذي أُعلن خلال محادثة هاتفية بُثّت على الهواء، بين نتنياهو ورئيس «جمهورية صوماليلاند»، عبد الرحمن محمد عبدالله، أول من أمس، لا يمكن فصله عن جهود متسارعة تقودها الإمارات مع إسرائيل، وتحت مظلّة أميركية «غير رسمية» إلى الآن، لإعادة تشكيل مجمل الترتيبات الأمنية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بل والضغط الأقصى على دول من مثل السعودية ومصر، عبر دفع الأزمات الوجودية عند أطرافها.

إسرائيل و»صوماليلاند»: قواسم مشتركة
لم تأتِ خطوة اعتراف إسرائيل بـ»جمهورية صوماليلاند» مباغِتة للمراقبين، وذلك نظراً إلى جملة معطيات سابقة لعلّ أبرزها حجم النفوذ الإسرائيلي في جنوب البحر الأحمر، إنْ عبر واجهة «الحرب على الإرهاب» أو «مواجهة الحوثيين» و»التهديد» الإيراني في الإقليم؛ والتنسيق الكامل مع واشنطن (ولا سيما في ولاية بونتلاند الواقعة جنوب صوماليلاند) وأبو ظبي التي أخذت في التمدّد لوجيستيّاً وعسكريّاً في جزر البحر الأحمر الواقعة جنوب باب المندب وشماله.

والجدير ذكره هنا أن آخر مظاهر ذلك التمدّد، تمثّل في رصد الأقمار الاصطناعية، منتصف تشرين الأول الماضي، تقدُّم العمل في تشييد مرافق عسكرية إماراتية مهمّة في جزيرة ذوقار في أرخبيل جزر حنيش، التي تبعد نحو 100 ميل شمال باب المندب.

وفيما يسعى الإقليم – البالغة مساحته نحو 175 ألف كيلومتر مربّع ويتجاوز عدد سكّانه الستة ملايين نسمة أو 30% من إجمالي عدد سكان جمهورية الصومال البالغ نحو 20 مليون نسمة -، منذ ثلاثة عقود، إلى نيل الاعتراف الدولي باستقلاله المُعلن من جانب واحد، فهو وجد ضالّته في إسرائيل بعد اتفاقات سابقة كشفت عنها الميديا الإسرائيلية، تضمّنت وضْع خطوط واضحة للتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي بين الجانبَين.

أيضاً، يُلاحظ أن خطوة تل أبيب جاءت بعد مطالب مباشرة موجّهة من هرجيسا (أيار الماضي) إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، للاعتراف بـ»صوماليلاند» دولةً مستقلّة، وما بثّته وسائل إعلام محلية في الإقليم، في تشرين الأول، من أن هناك نحو 20 دولة «بما فيها إسرائيل» بدأت خطوات نحو ذلك الاعتراف.

تظلّ «صوماليلاند» مسألةً مهمّة في سياق التنافس الأميركي – الصيني
في القرن الأفريقي


وتوفّر «صوماليلاند»، التي تقترب سواحلها بمسافات تُراوِح بين 300 و500 كيلومتر من المناطق التي تسيطر عليها حركة «أنصار الله» في اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة، قاعدة أمامية للولايات المتحدة وإسرائيل لمجموعة من المهامّ، من مثل جمع المعلومات الاستخباراتية والمراقبة والدعم اللوجيستي للأطراف الموالية لاستراتيجيتهما في اليمن وحتى إطلاق عمليات مباشرة، في ما اعتبرته تقارير أمنية إسرائيلية في جامعة تل أبيب (نهاية تشرين الثاني) أمراً مماثلاً لِما أنجزته إسرائيل مع آذربيجان في مواجهتها مع إيران؛ مع فارق أن إسرائيل تستهدف هنا دائرة واسعة من التأثير في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وليس «طرفاً واحداً».

في المقابل، ترى هرجيسا في الاعتراف الإسرائيلي قوّة دفع مهمّة في مسار «استقلالها»؛ ذلك أن إسرائيل موجودة بالفعل في الإقليم، وتتّسق سياساتها مع عدد من أهمّ الفاعلين فيه من داخله وخارجه، وتحديداً إثيوبيا والإمارات اللتين شكّلتا، منذ عام 2018، تحالفاً راسخاً صمد في مواجهة متغيّرات كثيرة. ويمثّل هذا الاعتراف أيضاً، رأس حربة في تطبيع الحضوريْن الإثيوبي والإماراتي، فيما يعيد إحياء مشروعات مهمّة، أبرزها «ممرّ بربرة»، ومذكّرة التفاهم بين إثيوبيا و»صوماليلاند» (الموقّعة في كانون الثاني 2024)، كما أنه يوسّع آفاق التعاون والتنسيق أمنياً وعسكرياً بين هؤلاء الفاعلين والإقليم بوتيرة سريعة للغاية.

أصداء الاعتراف في القرن الأفريقي: مزيد من الاستقطاب
لا تقتصر تداعيات خطوة الاعتراف على التهديد بتفكيك واحدة من أكبر دول القرن الأفريقي مساحة، وهي الصومال؛ بل إنها تعمّق بشكل خطير الاستقطاب القائم في الإقليم، وتعيد إلى الواجهة سيناريوات تفجير استقراره بشكل كامل. وتبدو إثيوبيا المستفيد الأكبر من الخطوة الإسرائيلية، وذلك لما يلبّيه الوجود الإسرائيلي المُرتقب في «أرض الصومال» من مصالح أمنية وعسكرية إثيوبية، ولا سيما لناحية دفع مطلب الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر، وفرض ضغوط غير مسبوقة على كلّ من جيبوتي وإريتريا (والصومال بطبيعة الحال)، اللتين رفضتا في مناسبات متكرّرة المطالب الإثيوبية، واعتبرتاها بمثابة «إعلان حرب». ويؤشّر ردّ فعل أديس أبابا الهادئ على خطوة تل أبيب إلى قبول ضمني لها؛ فإثيوبيا التي «جمّدت» الاعتراف الكامل بـ»صوماليلاند»، لا تزال تعمّق علاقاتها مع الإقليم، في حين يتردّد راهناً، الحديث عن قيام عدّة دول «أفريقية وإقليمية» بإعادة تقييم مواقفها من الاعتراف بـ»أرض الصومال»، وفي مقدّمها جنوب السودان وغينيا وربما الإمارات التي تمتلك (كما تركيا وإثيوبيا وبريطانيا وعدد من الدول) مكتباً للاتصال في هرجيسا.

أمّا إريتريا، التي تُعدّ مع جيبوتي أكثر الدول الإقليمية تضرّراً من خطوة إسرائيل وما سيترتّب عليها اقتصاديّاً وعسكريّاً، فقد اكتفت في ردّ فعلها ببيان موجز للغاية نشرته وزارة الإعلام، أمس، واصفةً الخطوة بـ»الخدعة التي لا تمثّل سرّاً جديداً». وجاء في البيان أنه «في هذا السياق، يجب على وجه خاص، على جمهورية الصين الشعبية أن تتولّى مسؤولياتها المعنوية في ضوء التشابه الواضح مع مسألة تايوان التي طالما دافعت عنها». وإذ لم يتّضح ما إذا كان المقصود من ذلك استدعاءً إريتريّاً لتدخُّل الصين في الأزمة بشكل مباشر أو عبر مجلس الأمن، فإن تلك الملاحظة تحيل إلى أن تداعيات خطوة إسرائيل لن تكون بعيدة من مجمل الوجود الصيني في القرن الأفريقي.

من جهتها، انضمّت جيبوتي إلى قائمة الموقّعين على بيان رعته الخارجية المصرية لإدانة الخطوة الإسرائيلية، إلى جانب 20 دولة و»منظمة التعاون الإسلامي». وجاء موقف جيبوتي متّسقاً تماماً مع مواقف رئيسها، عمر جيله، لناحية مهاجمة الإمارات وسياساتها في أفريقيا بشكل عام، ومساعيها إلى إلحاق الضرر بأمن البحر الأحمر، وهو ما عنى توجيه انتقادات ضمنية إلى سياسات إثيوبيا في السياق نفسه. وإلى هذا البيان، أصدرت وزارة الخارجية الجيبوتية بياناً منفصلاً اعتبرت فيه أن القرار الإسرائيلي يحجّم مبادئ القانون الدولي «ولا سيما مبدأ احترام سيادة الدول وعدم المساس بالحدود المُعترف بها دولياً»، محذّرة من أن الاعتراف بكيان إقليمي في أرض دولة صاحبة سيادة يمثّل سابقة خطيرة يمكن أن تزعزع استقرار الإقليم وتغذّي توتّرات سياسية وأمنية أكثر اتّساعاً.

وإذ تبقى «صوماليلاند» مسألةً مهمّة في سياق التنافس الأميركي – الصيني في القرن الأفريقي، وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أنه لن يعترف بالإقليم الصومالي (في الوقت الحالي)، فإن الخطوة جاءت على ما يبدو بتنسيق وتفاهم كامليْن بين إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك بهدف تعميق مصالحهما في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بالتعاون مع أطراف أخرى. ومع إبداء الصين قلقها من الخطوة لما تمثّله من تهديد كامل للواقع الجغرافي والديموغرافي في الإقليم، ولكونها سابقة خطيرة تهدّد السلم والأمن العالميَّيْن وخطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فإن رؤية بكين ستظلّ محلّ اختبار في الأيام المقبلة، بل وستكون حاسمة للغاية في تحديد مدى نجاح بالون الاختبار الإسرائيلي من عدمه. وفي حال انتهاج الصين سياسة «مرنة» حيال هذه المسألة أيضاً، فإن سلوكها هذا سيفتح الباب أمام اعترافات من دول أخرى بـ»أرض الصومال»، وإطلاق عملية خطيرة للغاية لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن تصل تداعياتها.

الاخبار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى