اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

الأمير الوهمي وغياب القرار السني الوطني في زمن الأزمات
(بقلم محمد السيد)

يسيطر على المشهد السياسي اللبناني في الآونة الأخيرة ما بات يُعرف بحكاية “الأمير الوهمي” أبو عمر، وهي قضية نجحت في خطف الأضواء من ملفات أكثر خطورة وإلحاحاً، بدءاً من الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الجنوب، مروراً بالمشهد الأمني الهش، وصولاً إلى مشروع قانون الفجوة المالية الذي يهدد بتكريس أكبر عملية اقتطاع من أموال المودعين في ما يمكن وصفه بـ“سرقة العصر”.
هذه القضية، بما تحمله من أبعاد سياسية ومالية واجتماعية، تفتح الباب واسعاً أمام التساؤل: كيف تمكّن شخص مثل أبو عمر، وبمساعدة الشيخ عريمط، من إقناع عدد من ضحاياه، من الطامحين الباحثين عن النفوذ والربح السريع، بادعاءات قربه من الديوان الملكي السعودي ومصدر القرار فيه، واستطاع استدراجهم إلى دفع الأموال مقابل وعود سياسية وهمية؟
بعيداً عن تفاصيل الخديعة بحد ذاتها، تكشف هذه الحادثة عن خلل أعمق يتمثل في الخطأ الاستراتيجي الذي ارتُكب بحق الطائفة السنية عموماً، وأنصار تيار المستقبل خصوصاً، مع قرار استبعاد الرئيس سعد الحريري عن الحياة السياسية. هذا القرار لم يؤدِّ فقط إلى غياب شخصية سياسية محورية، بل تسبب في ضياع القرار السياسي للطائفة في مرحلة شديدة الحساسية تمر بها البلاد والمنطقة.
وقد فتح هذا الفراغ شهية عدد كبير من الطامحين، ليس فقط إلى مقاعد نيابية، بل إلى موقع رئاسة مجلس الوزراء، من دون امتلاك تاريخ سياسي راسخ أو رصيد شعبي حقيقي، بل عبر محاولات لوراثة جزء من إرث “المستقبل” السياسي، أحياناً بقبضة خارجية وتحديداً سعودية. إلا أن هذه المحاولات، حتى اللحظة، باءت بالفشل، لافتقارها إلى الشرعية الشعبية والقدرة على ملء الفراغ الذي تركه الحريري.
كما تعكس قضية أبو عمر سطحية التعاطي السياسي لدى شريحة من المتصدرين للمشهد العام، وسذاجة بعض القرارات التي قد تكون مصيرية بالنسبة للشعب اللبناني، لكنها تُبنى، في نظر أصحابها، على مصالح شخصية ضيقة، مالية كانت أم سياسية.
واللافت أن هذه الواقعة، التي تعود جذورها إلى سنوات مضت، لم تُكشف إلا بالصدفة، وبفعل وعي ويقظة السيدة بهية الحريري، ما يستدعي وقفة مراجعة جدية من قبل أصحاب القرار في المملكة العربية السعودية، ليس فقط في ما يتعلق بالأشخاص الذين يُنظر إليهم كأصدقاء أو حلفاء في لبنان، بل في مجمل السياسة المعتمدة تجاه الساحة السنية اللبنانية.
إن إعادة النظر بهذه السياسات، والتعالي عن الاعتبارات الشخصية التي يبدو أنها تزعج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من الرئيس سعد الحريري، قد تكون خطوة ضرورية لإعادة التوازن إلى المشهد السياسي، والحفاظ على طائفة ضاقت ذرعاً بالتهميش والضياع، وتبحث اليوم عن مرجعية سياسية جامعة في زمن الانهيارات الكبرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى