مقالات وقضايا

الأقصى على أبواب اختبار خطير: ماذا تُخبّئ أيام “الحانوكاه” للقدس؟…بقلم د. وسيم وني



بقلم / د. وسيم وني – عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين


مع اقتراب ما يُعرف بـ“عيد الأنوار” اليهودي، يعود المسجد الأقصى المبارك إلى واجهة الاستهداف المنهجي من جديد، في مشهد يتكرّر كل عام لكنه يزداد خطورة وتصعيدًا.
فبين صمت دولي وتراخٍ عربي وإسلامي، تستعد جماعات استيطانية متطرفة لتحويل هذا العيد إلى محطة جديدة لفرض وقائع تهويدية داخل أقدس مقدسات المسلمين في فلسطين، وسط رعاية رسمية من حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة.

اقتحامات مرتقبة وتصعيد مُنظَّم
تشير المعطيات الميدانية إلى نية جماعات المستوطنين تنفيذ اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى خلال الأيام المقبلة، تزامنًا مع حلول “الحانوكاه”، وهو عيد يستمر ثمانية أيام، وترافقه عادة محاولات استفزازية لفرض طقوس يهودية داخل باحات المسجد.
وقد حذّرت محافظة القدس من تصعيد خطير متوقّع، معتبرة أن هذه الفترة قد تشهد ذروة الاعتداءات على الأقصى، في سياق سياسة ممنهجة تسعى لتحويله إلى ساحة طقوس توراتية بالقوة.

أسطورة دينية تُستغل لمشروع سياسي
يرتكز هذا العيد، وفق الرواية اليهودية، على قصة تاريخية تزعم انتصار الحشمونيين وإضاءة شمعدان بزيتٍ استمر ثمانية أيام، إلا أن جماعات “الهيكل” المتطرفة تتعامل مع هذه الرواية كمدخل سياسي لربط العيد بالمكان، ومحاولة تكريس مزاعم “الهيكل” على حساب الحقيقة الدينية والتاريخية للمسجد الأقصى كوقف إسلامي خالص ، وفي هذا السياق، تتكرّر سنويًا محاولات إدخال الشمعدان وإشعال الشموع داخل الحرم القدسي، إضافة إلى أداء طقوس تلمودية وارتداء رموز دينية، في استفزاز سافر لمشاعر المسلمين.

أرقام تكشف حجم التغلغل

ووفق إحصاءات دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، فقد سجّل العام الماضي ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المقتحمين خلال “عيد الأنوار”، حيث تجاوز العدد 2500 مستوطن، مقارنة بأعوام سابقة شهدت أرقامًا أقل، ما يعكس تصاعدًا متدرجًا في سياسة فرض الأمر الواقع ، كما بدأت سلطات الاحتلال فعليًا بتهيئة المشهد، عبر نصب شمعدان ضخم في ساحة البراق، ووضع شمعدانات أخرى قرب أبواب المسجد، لا سيما بابي المغاربة والأسباط، في رسالة واضحة عن نوايا المرحلة المقبلة.

ترسيخ التهويد… من الطقوس إلى “السيادة”
المخاوف لا تتوقف عند حدود الاقتحامات، بل تتعدّاها إلى محاولات مكشوفة لترسيخ وجود يهودي دائم داخل الأقصى، بدعم مباشر من وزراء وأعضاء كنيست ينتمون للتيار الديني القومي المتطرف.
ومن المتوقّع أن تشهد فترة العيد أداءً علنيًا لطقوس تلمودية، ورقصات استفزازية، ومحاولات لإشعال شموع “الحانوكاه” داخل الحرم، في تعبير فجّ عن اعتبار المسجد “هيكلًا يهوديًا” وليس مسجدًا إسلاميًا.

أخطر المراحل… وتفريغ المسجد من أهله
تتزامن هذه الاقتحامات مع تشديد القيود على دخول المصلّين الفلسطينيين، وإبعاد المرابطين، ومنع الوافدين من الضفة الغربية والداخل المحتل، في مسعى واضح لتفريغ المسجد من حمايته الشعبية، وتسهيل تنفيذ الطقوس دون أي احتكاك.
و تُعد هذه المرحلة من أخطر ما يمرّ به الأقصى، خاصة في ظل استغلال الاحتلال للظروف السياسية الإقليمية والدولية، وغياب أي ردع حقيقي يوقف هذا الانفلات.

سياسة “الخطوة خطوة” وصمتٌ مُكلف
تعتمد الجماعات المتطرفة سياسة التدرّج، حيث تختبر ردود الفعل بعد كل خرق جديد، من إشعال الشموع إلى إدخال الرموز والكتب الدينية، وصولًا إلى المطالبة العلنية بالتقسيم المكاني ،  وقد شكّل ضعف ردود الفعل في السنوات الماضية عامل تشجيع على المضي قدمًا في هذا المشروع.
وما يزيد المشهد قتامة هو حالة “إدارة الظهر” عربيًا وإسلاميًا، ما يفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات، ليس فقط في “الحانوكاه”، بل في رمضان والأعياد اليهودية المقبلة.


وفي النهاية إن ما يجري في المسجد الأقصى ليس خلافًا دينيًا عابرًا، بل صراعٌ مفتوح على المكان والهوية والسيادة ، كما أن استمرار الصمت سيحوّل الانتهاكات المؤقتة إلى وقائع دائمة يصعب كسرها لاحقًا.
فالأقصى اليوم يقف على مفترق طرق خطير، وأي تأخير في تحمّل المسؤولية سيُحسب خسارة تاريخية لا تُغتفر، ليس لشعبنا الفلسطيني فقط ، بل للأمة بأسرها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى