اخر الاخبارعربي ودوليهام

ثلاث سنوات على «اتفاق بكين» | إيران – السعودية: الصدْع الاستراتيجي باقٍ

محمد خواجوئي

طهران | تشهد العلاقات الإيرانية – السعودية، التي استؤنفت في آذار 2023 بعد قطيعة دامت سبع سنوات، استقراراً نسبيّاً، رغم الظروف المتأزمّة في المنطقة منذ ما يزيد على عامَين، واختلاف مقاربة كلّ من الجانبَين حيالها؛ وهو استقرار يمكن عزوه إلى المراقبة المستمرّة التي تمارسها الصين، بوصفها راعية المصالحة. وفي هذا الإطار، عُقد الاجتماع المشترك الثالث بين طهران والرياض وبكين، في العاصمة الإيرانية أول أمس، على مستوى المساعدين السياسيين لوزراء خارجية البلدان الثلاثة: مجيد تخت روانجي عن الجانب الإيراني، ووليد الخريجي عن الجانب السعودي، ومياو ديف عن الجانب الصيني، مع ارتقاب عقد الاجتماع الرابع المشترك في بكين.
ويكتسي الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط – لا سيّما بين قوّتَيه الكبريَين إيران والسعودية – أهميّة حيوية بالنسبة إلى الصين، خصوصاً لجهة أمن الطاقة ومبادرة «الحزام والطريق»؛ إذ سعت بكين عبر رعايتها «حُسن النيّات» بين الطرفين، إلى ضمان مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية طويلة الأمد، في إطار مبدأ التزام الحياد. ولعلّ ممّا يهمّها أيضاً، ألّا تفشل في المرّات القليلة التي اضطلعت فيها بدور في الأزمات السياسية للشرق الأوسط. ووفقاً لما جاء في محضر اجتماع طهران الثلاثي، فقد «أكّد الطرفان الإيراني والسعودي التزامهما بتنفيذ مجمل اتفاق بكين والسعي المستمر إلى ترسيخ علاقات الجوار بين البلدَين عن طريق الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقوانين الدولية بما فيها احترام سيادة البلدين ووحدة أراضيهما واستقلالهما وأمنهما»، فيما «رحّب البلدان باستمرار الدور الإيجابي لجمهورية الصين الشعبية وأهمية المتابعة التي تقوم بها لتنفيذ اتفاق بكين». وورد في المحضر كذلك، تأكيد بكين «استعدادها لمواصلة دعم الخطوات التي اتّخذتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية لتوسيع علاقاتهما في المجالات المختلفة». كما «رحّبت البلدان الثلاثة بالتطوّر المستمر للعلاقات الإيرانية – السعودية، والفرص المتاحة للتواصل المباشر بين البلدَين على جميع المستويات والقطاعات، واعتبرت هذا التواصل واللقاءات المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين، لا سيّما في ضوء التصعيد القائم والمتزايد في المنطقة والذي يتهدّد أمنها وأمن العالم، بأنهما ذات أهمية». ودعت الدول الثلاث، إلى جانب ما تقدّم، إلى «الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين ولبنان وسوريا، وندّدت بالعدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وانتهاك سيادتها وسلامة ترابها».

أوجه الاشتراك لا تكفي لجسر الهوّة الاستراتيجية بين إيران والسعودية


ومنذ توقيع الاتفاق التاريخي بينهما، تمضي العلاقات الإيرانية – السعودية في مسار مليء بالتقلّبات والصعود والهبوط، فيما تُعدّ إعادة فتح السفارتَين واستئناف الرحلات الجوّية المباشرة وتشكيل اللجان الاقتصادية والأمنية المشتركة والمشاركة في المؤتمرات الإقليمية، من الإنجازات الملموسة للاتفاق. ومع ذلك، فإنّ مسار بناء الثقة لا يمكن أن يكتمل في ظلّ استمرار وجود قضايا جوهرية تخصّ العلاقات الثنائية، من دون حلّ. فمن جهة إيران، تتمثّل أولويّتها في خفض الضغط الإقليمي وإيجاد التوازن في البيئة الجيوسياسية للخليج؛ خصوصاً أنّ طهران، وفي ظلّ تنافسها مع أميركا وإسرائيل وبعض الشركاء العرب، تحتاج إلى مناخ للتنفّس الديبلوماسي في العالم العربي، في سبيل تقليص العداء الموجّه ضدّها. وفي هذا السياق، تسعى إيران إلى الدخول في حوار أمني مع السعودية حول الخليج وأمن الطاقة واستقرار سوق النفط، وأيضاً العمل على بناء جبهة موحّدة – ولو كلامياً – في مواجهة إسرائيل.
في المقابل، فإنّ السعودية، وبعد تجربة عقدَين من التصعيد والقوى بالوكالة، تضطلع برؤية أكثر براغماتية. فقد أوصلت الأضرار التي تعرّضت إليها البنية التحتية النفطية لـ«أرامكو» عام 2019، والنفقات الأمنية الباهظة، الرياض إلى نتيجة مفادها بأنه من غير الممكن احتواء طهران من طريق المواجهة، بل عبر التواصل.

مع هذا، فإنّ أوجه الاشتراك – بما في ذلك القلق المشترك من التطرّف وعدم الاستقرار في الخليج – لا تكفي لجسر الهوّة الاستراتيجية، التي يتقدّم ملفاتها تباين رؤى البلدَين تجاه النفوذ الإقليمي، وملف اليمن والأزمة السورية والوضع اللبناني والعلاقات مع إسرائيل، والتي تشكّل كلّها معاً العوامل الرئيسة لـ«التحفّظ المتبادل».
وإذ سعت السعودية إلى الإبقاء على نفسها بعيدة من المشاريع الإسرائيلية المعادية لإيران، لكنها لم تعدّل موقفها من تزايد نفوذ محور المقاومة، لا بل إنها تشكّل جزءاً من حملة الضغط عليه. وأحد الأمثلة على ذلك، مواكبتها لأميركا وإسرائيل في خطّة نزع سلاح «حزب الله» في لبنان، في حين أنّ إيران تعتبر علاقاتها مع مجموعات المقاومة، جزءاً من عمقها الأيديولوجي والاستراتيجي، وهي لا تُظهر أيّ استعداد لتقييده في إطار المصالح التكتيكية.
لكن إيران والسعودية، ورغم كل الاعتبارات والخلافات التاريخية، تقفان اليوم عند نقطة أساسية مشتركة: إدراك ضرورة إدارة التنافس بدلاً من تصعيده. ومع ذلك، لا يزال من المبكر الحديث عن انخراط الطرفين في تعاون ثنائي استراتيجي واقتصادي وسياسي وأمني معمّق.

الأخبار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى