جريمة تجويع المدنيّين | أميركا للعالم: إسرائيل فوق القانون

عمر نشابة
يُعدّ انتهاج العدو الإسرائيلي سياسة التجويع كتكتيك حربي في قطاع غزة المُحاصر الذي يتعرّض لعدوان وحشي منذ تشرين الأول 2023، بحسب القانون الدولي، جريمة إبادة جماعية وجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وعليه، يُفترض أن تتحرّك «محكمة العدل الدولية« و«المحكمة الجنائية الدولية»، بدعم من مجلس الأمن الدولي، لوقف هذه الجريمة الدولية المتمادية منذ عامين، ومعاقبة مرتكبيها.
غير أنّ الولايات المتحدة قرّرت أن إسرائيل فوق القانون الدولي؛ وأعلن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية أنّ كلّ مَن يُلاحق إسرائيليين في المحاكم الدولية وكل مَن يسعى إلى ذلك أو يطالب به، سيتعرّض للعقوبات. وبعد منع وزارة الخارجية الأميركية وفدَ السلطة الفلسطينية المؤلّف من 80 شخصاً من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، من خلال رفض منحهم تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لأنهم طلبوا من «الجنائية الدولية» مقاضاة إسرائيل، فرضت واشنطن، أول من أمس، عقوبات على ثلاث منظمات حقوق إنسان فلسطينية للسبب نفسه وفقاً لإشعار نُشر على موقع وزارة الخزانة.
وأُدرجت المنظمات الثلاث، وهي: «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان»، «مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة»، و«مؤسسة الحق في رام الله»، ضمن ما وصفته وزارة الخزانة بأنه «تصنيفات مرتبطة بالمحكمة الجنائية الدولية».
وكانت السلطة الفلسطينية والمنظمات الثلاث قد طلبت من «الجنائية الدولية»، في تشرين الثاني 2023، التحقيق في الغارات الجوية الإسرائيلية على المناطق المدنية المكتظّة بالسكان في غزة، وحصار القطاع وتشريد السكان وتجويعهم. وبعد عام، أصدرت المحكمة مذكّرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
يحظر القانونُ الدولي استخدامَ التجويع كأسلوب من أساليب الحرب بموجب المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، ويُعرّفه بأنه جريمة حرب بموجب المادة 8(2)(ب)(xxv) من نظام روما الأساسي لـ«الجنائية الدولية». كما أن تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي البنية التحتية الزراعية، ومنع المساعدات الإنسانية، وحرمان المدنيين من الموارد الأساسية (مثل الغذاء والماء والدواء)، كل ذلك غير قانوني ولا يمكن الدفاع عنه قضائياً وأخلاقياً.
سجّلت الأمم المتحدة 10,000 حالة سوء تغذية حادّ لدى الأطفال منذ كانون الثاني 2025
صحيح أنّ الجرائم ضد الإنسانية لا تتضمّن نصاً صريحاً يتعلّق بالتجويع وفقاً لـ«نظام روما الأساسي»، لكن، مع ذلك، يُلبّي التجويع متطلبات الجرائم ضد الإنسانية، ومن ضمنها «الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تُسبب عمداً معاناة شديدة، أو أذىً خطيراً يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية» (المادة السابعة الفقرة كاف). ولا يشترط القانون الدولي وجود نية متعمّدة للتسبب في التجويع، بل مجرد «العلم باحتمالية حدوث إصابات ذات الصلة». أمّا إذا ارتُكب التجويع بقصد التدمير الكامل أو الجزئي لمجموعة من البشر، كما هو حاصل في غزة، فيمكن عدّه جريمة إبادة جماعية.
وفي شكوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في «محكمة العدل الدولية»، قال فريق المحامين الجنوب أفريقيين إن إسرائيل «تستخدم التجويع كسلاح حرب، ولتحقيق أهدافها في تفريغ غزة من سكانها من خلال القتل الجماعي والتهجير القسري للفلسطينيين».
منذ نيسان 2024، بات أكثر من مليون شخص في غزة، بحسب الأمم المتحدة، يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وقد صُنّفت محافظة شمال غزة ومدينة غزة ضمن المرحلة الخامسة من «التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)» المعتمد لدى الأمم المتحدة، حيث يواجه ما يقرب من 70% من السكّان ظروف المرحلة الخامسة، أي «المرحلة الكارثية». كما تُصنّف المحافظات الجنوبية، بما في ذلك دير البلح وخان يونس ورفح، على أنها من المرحلة الرابعة، أي «مرحلة الطوارئ».
كذلك، سجّلت الأمم المتحدة 10,000 حالة سوء تغذية حادّ لدى الأطفال منذ كانون الثاني 2025، بما فيها 1600 حالة تهدّد الحياة وتتطلّب رعاية فورية. ويُقدّر أن أكثر من 1000 إنسان، بمن فيهم مئات الأطفال والعجزة والمرضى، ماتوا من الجوع ومن سوء التغذية حتى اليوم في غزة. أما «المفوّضية السامية لحقوق الإنسان»، التابعة للأمم المتحدة، فقالت، في بيان، إنه «لتجنّب المزيد من الوفيات والمعاناة اللاإنسانية بسبب الجوع، يجب على إسرائيل أن تعيد فوراً وصول المنظمات الإنسانية المحايدة، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إلى غزة دون عوائق».
وفي بيان سابق، دان الخبراء الأمميون قانونَيْن إسرائيليَّيْن يحظران تعاون إسرائيل مع «الأونروا»، التي طالما لعبت دوراً حيوياً في تنسيق الإغاثة الإنسانية للأمم المتحدة في فلسطين. وقد أعاقت هذه القوانين الجديدة بشكل غير قانوني عمل 17 ألف موظف من «الأونروا» وحرّية تنقّلهم، وعطّلت تمويل الوكالة وحركة بضائعها ومركباتها، وتدخّلت في منشآتها.
وجاء ذلك على الرغم من أن الجمعية العامّة ومجلس الأمن أعلنا أن «الأونروا» هي العمود الفقري الذي لا غنى عنه للإغاثة الإنسانية التي تقدّمها الأمم المتحدة لـ2.3 مليون من سكان غزة، بما فيها الغذاء والمأوى والرعاية الصحية – وخاصة للنساء والأطفال ونحو مليوني نازح -، فضلاً عن توفير التعليم والمساعدة الاجتماعية وتخفيف حدّة الفقر والمياه والصرف الصحي.
الاخبار