استكمال الترميم والإيواء بالتوازي مع خطّة على ثلاث مراحل: «مَكَنة» حزب الله تتجهّز لإعادة الإعمار

فؤاد بزي
باءت كلّ محاولات دفع الدولة لتحمّل مسؤولياتها تجاه مواطنيها المهدّمة بيوتهم بالفشل. وبعدما لَمَسَ حزب الله تخاذلاً واضحاً وألاعيبَ من السلطة السياسية تجاه هذا الملف، يتّجه إلى بدء تنفيذ عملية إعادة الإعمار بتمويل خاص عبر شركة «وعد» لتأخذ العملية مساراً مشابهاً لمسار الترميم ورفع الأنقاض الذي بات شبه منجز، وبشكل مشابه للمسار الذي بدأ إبّان عدوان تموز 2006 حين بدأ الحزب بمشروع الإعمار قبل مبادرة الدولة.
وفي هذا الإطار، يتوقّع أن يبدأ الحزب، عبر مؤسساته وتشكيلاته المعنية مثل «جهاد البناء» و«وعد»، بتمويل عملية إعادة الإعمار في الضاحية الجنوبية والمناطق المتضرّرة بالحرب باستثناء شريط القرى الحدودية بقيمة مليار دولار في المرحلة الأولى تليها مرحلتان بقيمة مليار دولار لكل منهما، وباستكمال الترميم المقدّر بنحو نصف مليار دولار، بالإضافة إلى استمرار تمويل الإيواء للمهجّرين.
يأتي توجّه حزب الله في خضمّ حصار تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على لبنان سياسياً، بالتعاون مع العدو الإسرائيلي عسكرياً، وجهات داخلية أيضاً، في إطار محاولة ربط الإعمار بعملية «نزع السلاح».
وبالفعل، تقول المصادر، إنّ «المكنة» بدأت تتحضّر لإطلاق المشروع وإن لم يكن هناك أي إعلان رسمي بخصوصه بعد، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال، ومهما بلغت قيمة التمويل الذي خصّصه حزب الله للمراحل السابقة وللمرحلة الجارية من إعادة الإعمار، أنه تسليماً بإعفاء الدولة من مسؤولياتها، بحسب مصادر مطّلعة.
بل يأتي هذا المبلغ بعدما أدرك حزب الله تمام الإدراك أنّ «الدولة مطنّشة» وقد تُرجم ذلك في تكرار الوعود من رئيس الجمهورية جوزاف عون بتأمين ودفع مبلغ 40 مليون دولار لترميم المباني المتصدّعة إنشائياً لإعادة نحو 7 آلاف عائلة إلى مسكنها، بالإضافة إلى وعود من رئيس الحكومة نواف سلام ومن وزير المال ياسين جابر بتأمين مبلغ 5 ملايين دولار لملف التعويض عن الأبنية التي قُصفت بعد وقف إطلاق النار.
غير أنّ «كيديّة نواف سلام السياسية أسقطت الوعود كلّها» ما أدّى إلى فشل كل المساعي لتبنّي الحكومة ملف إعادة الإعمار، وهذا ما وضع الناس في خانة الابتزاز السياسي ضمن معادلة يحاول العدو تكريسها وهي: «تسليم سلاح المقاومة مقابل إعادة بيوتكم».
وفي الواقع، إنّ الهامش الزمني لدى حزب الله لتحمّل المماطلة الحكومية ليس مفتوحاً، بل هو يخضع لضغوط الناس، لا سيّما أهل قرى الشريط الحدودي المهجّرين من بيوتهم للسّنة الثانية على التوالي، ومنهم من خسر بيته في قريته وفي الضاحية الجنوبية. وذلك بعكس التزامات أهل السلطة المتحلّلة من التزاماتها الأخلاقية والإنسانية.
قرض البنك الدُّولي يوازي ربع ما دفعه حزب الله حتى الآن على الترميم
كما يأتي هذا التوجّه في سياق واضح، إذ «يتعرّض المجتمع لأخطار وجودية، وإعادة الإعمار اليوم هي جزء من صورة النصر أو الهزيمة»، لذا كان لا بدّ من التوجّه نحو خطوات عمليّة تثبت صورة إزالة آثار العدوان، خصوصاً أنّ أهمّ الخطوات التي أنجزتها الحكومة حتى الآن، هي «همروجة قرض البنك الدُّولي» الذي تبلغ قيمته الإجمالية أقلّ من ربع ما دفعه حزب الله على ملفَّي الترميم والإيواء.
وهذا القرض الذي تبلغ قيمته 250 مليون دولار، كانت أمس مراسم توقيعه بين وزير المال ياسين جابر والمدير الإقليمي للبنك الدُّولي جان كريستوف كاريه.
وهو يأتي بعد مضي أكثر من ثمانية أشهر على نهاية العدوان، وبعدما موّل حزب الله ترميم نحو 402 ألف وحدة سكنية بكلفة تصل إلى 1.1 مليار دولار بالإضافة إلى إيواء 15 ألف عائلة، وبعدما قدّم الدعم اللّوجستي والتنفيذي لرفع ركام 90% من ركام المباني المدمّرة باستثناء القرى المحاذية للحدود.
وترافق «حفل التوقيع» مع الترويج بأنّ هذا المبلغ سيقلب الميمنة على الميسرة، وأنه بمثابة «تدخّل دُولي» في الملف الإنساني الأكثر إلحاحاً في لبنان، ومبلغ تأسيسي ستلحق به منح وقروض تصل قيمتها إلى مليار دولار.
إلا أنّ المبلغ الصغير، مقارنةً بما تمّ دفعه من قِبل حزب الله حتى الآن، هو عبارة عن قرض وليس منحةً إنسانيةً أو مكرمة من أي طرف. فضلاً عن أنّ إنفاقه يخضع للكثير من الشروط التي تكاد تكون تعجيزية في بعض المجالات، وفيه الكثير من الإنفاق الإداري وما هو يصنّف «بلا طعمة» و«بلا جدوى»، ويتطلّب بدء الإنفاق منه تحويله من الحكومة إلى المجلس النيابي لإبرامه، فيما ينتظر المهجّرون على قارعة الطريق لأشهر وبعضهم لأكثر من سنتين.
وبحسب مشروع القرض، فإنّ البنك الدُّولي لن يسمح للحكومة اللبنانية صرف الأموال وفقاً لأولويات لبنانية؛ مثلاً، ليس مسموحاً إعادة إعمار شريط القرى الحدودية حتى لا يُعاد تثبيت الناس في مناطقهم وتركهم فريسة أمام مطامع العدو.
وينقسم القرض إلى 4 مكوّنات:
– الأول بعنوان «الاستجابة الفورية»، ويخصّص لـ«إدارة الأنقاض بشكل آمن ومخطّط له للحدّ من الضرر البيئي، وضمان أقصى قدر من إعادة تدوير مواد الأنقاض، وتهيئة الظروف اللازمة للتعافي وإعادة الإعمار»، أي أنّ هذا الجزء من القرض ليس مخصّصاً لعمليات إعادة الإعمار المباشرة، بل لإدارة الركام الذي أزيل أصلاً، ووضع في مكبّات مخصّصة له في المناطق.
– الثاني، يتعلّق باستعادة البنية التحتية الحيوية في المناطق المتضرّرة، حيث يمكن استعادة النشاط الاقتصادي بسرعة. وكأنّ البنك الدُّولي في هذا البند يريد استبعاد الصرف على مناطق محدّدة هي الأكثر تضرّراً، وتستلزم إعادة إعمارها وقتاً أطول، وهي شريط القرى الحدودية. فالصرف هنا مسموح على المناطق المتضرّرة حيث بقيت نسبة كبيرة من سكان قبل الحرب أو عادوا، وبقيت حاجة ملحّة لإصلاح واستعادة شرايين الحياة، مثل التنقّل والمياه والطاقة والاتصالات وإدارة النفايات الصلبة وخدْمات الطوارئ والتعليم والرعاية الاجتماعية والصحية والخدْمات.
كما يسمح هذا المكوّن بالإنفاق على «الترميم الطفيف»، رغم أنّ غالبيّته منجز أصلاً بتمويل من حزب الله، إذ يشير إلى تضرّر 60 ألف وحدة سكنية بأضرار طفيفة، لذا ستقدَّم «منح صغيرة لأصحاب المنازل لإجراء هذه الإصلاحات». ونظراً لمحدودية التمويل، سيقتصر دعم الإصلاحات التي يتولّى مالكو المنازل أمرها، أي المسكونة صيفاً شتاءً من أصحابها.
– الثالث، هو للدراسات المتمحورة حول «إعادة البناء المستدامة والصديقة للبيئة، وإعداد دراسات جدوى وتصميمات للبنية التحتية ودراسات بيئية واجتماعية واستشارة أصحاب المصلحة وغيرها». وفي إطار البند الثالث، سجري تمويل التحضيرات اللازمة لضمان وجود سلسلة من مشاريع إعادة الإعمار الجاهزة للتمويل.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يشمل ذلك تقييمات وإعداد البنية التحتية للنّقل الحضري واسعة النطاق، وإعادة بناء شبكات المياه والصرف الصحي، والبنية التحتية ذات الأولوية لإدارة النفايات الصلبة، وإعادة تأهيل المستشفيات ومباني الإدارة العامة وغيرها.
– الرابع، يخصّص لإدارة المشروع. وهنا تتداخل المسائل المتعلّقة بفساد البنك الدُّولي مع لصوص الداخل.
الأخبار