الصحافة تُصفع في القصر الجمهوري ــ نادين خزعل

إهانة وطنية موصوفة شهدها قصر بعبدا اليوم. الموفد الأميركي توم براك لم يتصرّف كضيف ولا كمبعوث دبلوماسي، بل كمستعمر متعالٍ إذ خاطب الصحافيين اللبنانيين قائلاً بوقاحة: “اصمتوا لحظة… في اللحظة التي يصبح فيها الوضع فوضوياً و’حيوانياً’ سنرحل.” عبارة جارحة لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام، لأنها لم تطل الصحافيين وحدهم بل أهانت لبنان كلّه من داخل قصر بعبدا.
فخامة رئيس الجمهورية جوزاف عون.. ما جرى اليوم تحت سقفكم ليس زلّة بروتوكولية، بل اعتداء على السيادة وعلى كرامة اللبنانيين. كيف يُسمح لموفد أجنبي أن يصرخ في وجه الإعلاميين وكأنهم رعايا لديه؟ وكيف يُترك قصر بعبدا، رمز الدولة، مسرحاً لعبارات مهينة لا تليق بلبنان ولا بشعبه؟ الصمت في هذه اللحظة لا يُغتفر، بل يُقرأ كقبول ضمني بإهانة لا يجرؤ أي لبناني حر على السكوت عنها.
معالي وزير الإعلام، الصحافي ليس موظفاً عند أحد، ولا متلقياً للأوامر، بل هو صاحب رسالة وناطق باسم الناس. إهانته هي إهانة لكل مواطن لبناني، وصمت الوزارة أمام هذا التطاول هو تخلٍّ عن دورها الأساسي في حماية الكلمة الحرة وصون كرامة العاملين في المهنة.
ما جرى في بعبدا اليوم لم يكن حادثة عابرة. لقد كان صفعة في وجه الصحافة، وإشارة خطيرة بأن لبنان يُعامل كساحة سائبة لا كدولة ذات سيادة. في أي بلد يحترم نفسه، لكان الرد فورياً وحازماً، ولكان المبعوث الذي تجرّأ على هكذا كلام قد وُضع عند حدّه أو أُخرج من القاعة. أما عندنا، فمرّ الأمر بصمت مريب لا يقل خطورة عن الإهانة نفسها.
إننا نطالب رئيس الجمهورية ووزير الإعلام وكل الجهات المعنية بموقف واضح لا لبس فيه، يرفض الإهانة ويرد الاعتبار للصحافيين اللبنانيين. الكرامة الصحافية ليست تفصيلاً ثانوياً، بل هي واجهة لبنان أمام العالم. والسكوت عن إهانتها هو انكسار لهيبة الدولة بأكملها. لبنان ليس مستعمرة، ولا حديقة خلفية لأحد، وهنا صحافة لن تُسكتها تهديدات متعجرفة ولا عبارات متغطرسة. هذا بلد حرّ، شعبه حرّ، وصوته الإعلامي سيبقى أقوى من كل محاولات التحقير والإذلال.
قد يُحاولون كسر قلم أو إسكات صوت، لكن الحقيقة لا تُكمّم، ولبنان الذي أنجب شهداء الكلمة لن يسمح بأن تُداس كرامة صحافييه تحت أقدام أحد. إن احترام الصحافة هو احترام للبنان، ومن يجرؤ على التطاول عليها، يجرؤ على التطاول على وطن بأسره.