البقاع الغربي: معركة انتخابية على أنقاض التحولات بين مراد ورحال

عيسى يحيى
تشهد دائرة البقاع الغربي وراشيا بداية مبكرة لمعركة انتخابية محمومة، اتخذت طابعًا سنيًا داخليًا لكنه أبعد من مجرد منافسة شخصية. بدأ بتراشق إعلامي واتهامات متبادلة، تحول إلى صراع على شد العصب وتحشيد الشارع، في معركة تتجاوز حدود المقعد النيابي لتصبح مرتبطة بالتحولات التي حصلت، وبكسب الرضا الخارجي وتحديدًا السعودية، التي تشكل الراعي الأول للخيارات السنية في لبنان.
كشفت الاتهامات المتبادلة والحرب الكلامية بين الوزير السابق محمد رحال المحسوب على تيار المستقبل، الذي يقدم نفسه اليوم مرشحًا مستقلًا، ويستحضر خطابًا يريد الشارع أن يسمعه، والنائب حسن مراد الذي ورث من والده إرثًا خدماتيًا شكلت أموال معمر القذافي إحدى ركائزه الساسية، وتاريخًا سياسيًا إستمر لمدى عقود مرتبطًا بمحور الممانعة و”حزب الله”، ما جعله عرضة لاتهامات الخصوم بأنه امتداد لخيارات سقطت إلى غير رجعة، عن انقسام واضح في الشارع السني بين خطابين، ومحاولات الاستفادة من التغيرات لجمع شمل الشارع. وفيما تزداد الهوة بين الرجلين، تجمعهما متلازمة ثابتة وأكيدة: لم يصل رحال إلى الوزارة من دون دعم المستقبل، ولا مراد جلس على المقعد الوزاري الذي فصّل على قياسه وقتها “وزير دولة لشؤون التجارة الخارجية”، لولا دعم “حزب الله” وحلفائه، الذين أصروا على تمثيل سنة الممانعة بوزير، في عز الإنقسام الذي عاشه لبنان حينها.
حرارة السباق الانتخابي في دائرة البقاع الغربي بدأت بعدما وصف رحال النائب مراد بأنه صبي المخابرات السورية، ولعب دورًا اساسيًا في تأسيس سرايا المقاومة في البقاع، وكان مطيةً لتنفيذ المشروع الإيراني. في المقابل رد أنصار مراد بأن رحال نفسه كان في صفوف حزب الاتحاد عام 2001 والذي كان يرأسه الوزير الأب، وأنه توسط لدى ضابط مخابرات للانتساب والعمل، وهو كان على تماس مع الأجهزة الأمنية السورية، وليس بريئاً من تلك المرحلة.
وعليه، يحاول معظم السنة اليوم التموضع كلٌّ على طريقته، وخصوصًا من كانوا لسنوات في كنف “حزب الله” مستفيدين من الدعم المادي والسياسي، وبعد استشرافهم المرحلة المقبلة التي سبقتها تغيرات كبرى لم يكن أحدٌ يتوقعها. فمراد يحاول اليوم إعادة تموضع جديد، ويقدم نفسه المتمايز عن محور الممانعة، وكأنه بات خارج حضن “حزب الله”، وهو الذي حضر مع ما يسمى القوى القومية لقاء مع وفد من “حزب الله” في الثامن عشر من آب في مركز الحزب “السوري القومي”، ما رفع منسوب الهجوم عليه، لكونه لا يعرف ثباتًا في المواقف السياسية. غير أنه يستحضر جمال عبد الناصر وأقواله في خطاباته كلما دعت الحاجة، للتأكيد على عروبة مواقفه، في وجه الحملات التي تلاحقه.
استند مراد إلى تحالفٍ سياسي مع قوى الثامن من آذار أوصله إلى الندوة البرلمانية، ولكن السؤال يبقى: على من يستند مراد في معركته المقبلة؟ فالتحالف الذي فاز ضمنه، لن يكون بمقدوره أن يصعد في قطاره عام 2026، وهو الذي يبحث عن تكريس زعامة تناسب واقع التغيرات والتحولات. كذلك فإن أبواب التواصل بين مراد وأحمد الحريري مفتوحة منذ مدة، تخللتها تفاهمات على انتخابات الإفتاء والمجلس الشرعي. غير أن المستجدات السياسية قد تعيد خلط الأوراق، فرحال لم يعلن نفسه مرشح المستقبل، ولكنه يحظى برضى سعودي وخطابه مقبول لدى الشارع، والنائب الحالي إلى جانب مراد ياسين ياسين يحظى بشعبية وحضور سياسي كبير، وله باع في الخدمات، ويحظى بدعم المفتي الغزاوي بعد المصاهرة بينهما، وهل يقبل جمهور المستقبل أن يأخذه الحريري إلى حيث يريد، مع تحالف لا يتوافق وثوابته.
غير أن الثابت وفق المصادر هو قرار الأمين العام للمستقبل أحمد الحريري خوض الانتخابات النيابية بغض النظر عن قرار الرئيس سعد الحريري، وأبرز تلك المؤشرات استقالة منسق تيار المستقبل في البقاع الأوسط ورئيس بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين من رئاسة البلدية قبل الانتخابات النيابية بسنتين وفق ما يقتضي القانون، تمهيدًا لترشحه عن المقعد السني في البقاع الأوسط وزحلة، إضافة إلى ترشيحه النائب السابق محمد القرعاوي إلى جانب مراد في الدائرة.
وعليه سيكون البقاع الغربي أمام اختبار مصيري وليس أمام صراع شخصيات، ليبقى السؤال: هل يستمر تدوير النخب التقليدية نفسها ولو بوجوه معدلة؟ أم أن التحولات الكبرى في الداخل والخارج ستفرض مشهداً مغايراً يطيح بمن لم يعد قادراً على مواكبة المرحلة؟
نداء الوطن