مقالات وقضايا

لُغز اختفاء الفتيات في لبنان: “خلافات عائلية” أم عصابات خطف؟

المدن | فاطمة البسّام

ثمانية آلاف دولار. هذا ما طُلبه الخاطف من عائلة الشابة ن.س، البالغة 22 عاماً، كي تعود إلى منزلها سالمة. اتصال غامض من رقم سوري اخترق صمت العائلة المذعورة على ابنتها التي اختفت في مطلع الشهر الحالي. أتى صوتُ الرجل بلهجة لا تخلو من البرود متصلاً بوالدها: “بنتك عندي… وفي بنتين غيرها كمان”. ولم يقدّم أي دليل إذا كانت على قيد الحياة. لا تسجيل صوتي ولا صورة، بل اكتفى بشرط واحد: “ادفعوا 8 آلاف دولار، وإلا انسوا ابنتكم”. بهذه العبارات أبلغ الوالد ز.س. “المدن” حال عائلته التي تعيش لحظات صعبة منذ اختفاء الفتاة. 

الخاطف بين دمشق وإدلب

والد الفتاة مصدوم. تردّد طويلاً قبل إعلان اختفاء ابنته خوفاً من “الفضيحة” ومن ردّة فعل المجتمع المحيط. لكنه عاد ووجد نفسه فجأة أمام كابوس أكبر: تحول قضية اختفاء ابنته من اعتقاد بفرارها إلى جريمة خطف. 

القصة بدأت في الأول من آب الجاري، حين فُقد الاتصال بالفتاة أثناء عودتها من الجامعة اللبنانية – كلية العلوم في منطقة الحدث، حيث تدرس الحقوق. وبعد أيام، تلقت العائلة سيلاً من الاتصالات الساخرة والإشاعات، منها أن الشابة تزوجت، علماً أنها كانت مخطوبة.

المفاجأة الكبرى كانت قبل عشرة أيام حين تلقى الوالد اتصالاً من الخاطف المحتمل، قال له: “بنتك عندي، وفي بنتين غيرها كمان”. وعندما طلب والدها دليلاً على أن ابنته لا تزال على قيد الحياة، رفض الخاطف تقديم أي إثبات. تجرأ وتوجه إلى المخفر وقدم بلاغاً وزود القوى الأمنية بالمعلومات المتوافرة لديه. ثم ذهب إلى سوريا وقدم بلاغاً رسمياً لدى مخفر حمص، على اعتبار أن الخاطف أبلغه أنه من حمص. لكن التحقيقات هناك توصلت إلى أن الاتصالات مصدرها دمشق وإدلب، وليس حمص. ويضيف الوالد: “طلب الخاطف إزالة صور ابنتي التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، حفاظاً على حياتها”.

ارتفاع حالات اختفاء النساء

ازدادت حالات اختفاء النساء والفتيات في لبنان بوتيرة مقلقة هذا العام. فالإحصاءات الرسمية سجلت 21 حالة اختفاء منذ مطلع العام، مع تركز معظمها في مناطق الأطراف مثل عكار والبقاع وبعلبك–الهرمل وطرابلس، إضافة إلى بيروت وضواحيها.

وفي حادثة جديدة تؤكد خطورة الظاهرة، أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه يوم أمس عن تحرير الطفلة اللبنانية ز.د. في جرد بلدة القصر – الهرمل، بعد أن أقدم أحد السوريين على خطفها من منطقة خلدة، وسلمت الطفلة إلى ذويها، فيما تواصل الأجهزة الأمنية ملاحقة المتورطين.

الخوف من الفضيحة

تواصلت “المدن” مع العديد من عائلات هؤلاء الفتيات لكن ذويهم فضلوا عدم الإفصاح عن الأمر خوفاً من هاجس “الفضيحة” أو وصمة عار ومن دون التحقق من دوافع اختفاء ابنتهم. فمجتمع يضع سمعة الفتاة فوق أي اعتبار، يجعل الأهل يخشون أن تُتهم بـ”علاقات غير شرعية”.

وصمة العار والخوف من “القيل والقال” واضحة في مثل هذه القضايا الحساسة، والتسرع في الحكم على الفتاة يسبق أي منطق. فأحد الآباء، فضّل عدم كشف هويته، قال لـ “المدن”: “ابنتي تغيّبت ثلاثة أيام بسبب خلاف عائلي، لم أجرؤ على أن أخبر أحداً. كل ما فكرت فيه هو كلام الناس… هل سيقولون إنها هربت مع شاب؟ كيف سأواجه الجيران والأقارب؟”، موضحاً: “كانت عند بيت جدها وعادت”. وحتى والد الشابة ن.س. المخطوفة حالياً في سوريا قال لـ”المدن”: “لم أجرؤ في البداية على الإعلان عن اختفاء ابنتي خوفاً من الفضيحة، لأن مجتمعنا لا يرحم”. 

قوى الأمن تعتبرها مجرد أسباب شخصية

منذ بداية الصيف، سُجّل أكثر من 20 بلاغاً عن اختفاء فتيات ونساء في لبنان، بعضها انتهى بالعودة بعد تدخلات عائلية أو أمنية، لكن بعضها الآخر بقي عالقاً بلا أجوبة. حتى القوى الأمنية ليس لديها أجوبة مقنعة. فقد أكد مصدر رسمي في قوى الأمن الداخلي لـ”المدن”، أن “غياب 16 فتاة بين 1 و13 تموز يعود بمعظمه إلى مشاكل وخلافات عائلية وشخصية”. ولدى سؤاله عن حالتي الاختفاء، اللتين تبين لاحقاً أنهما عمليتا خطف، وعما إذا كانت هناك عصابات متخصصة باختطاف النساء، نفى المصدر “وجود عصابات خطف منظّمة”. وأضاف أن حادثة الطفلة ز.د، التي خطفت قبل أسابيع، تعود إلى “خلافات شخصية أو مالية” بين الخاطف وأهلها، أما الحادثة الثانية فقيد المتابعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى