اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

قراءات غربية في خطة نتنياهو: وصفة الحرب «اللامتناهية»

قوبل إعلان حكومة العدو نيّتها احتلال مدينة غزة باستهجان في أوساط المراقبين ووسائل الإعلام في الغرب، لا لناحية الدمار والخسائر الإضافية التي ستلحقها مثل تلك الخطوة بالمدنيّين الأبرياء فحسب، بل لتبعاتها على إسرائيل نفسها، إلى حدّ عدّهم إياها «الوصفة» المناسبة لحرب «لا متناهية». وتقترن تلك التحذيرات بحديث محلّلين عسكريّين عن أنّ العملية المرتقبة قد تستمر لأسابيع أو أشهر، ممّا يعكس «القيود الخطيرة» التي باتت تحيط بصاحب القرار الإسرائيلي والتي ستخفّف، على الأرجح، من وتيرة أي هجمات مستقبلية وتحدّ من نطاقها.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية تقريراً جاء فيه أنه في الوقت الذي يزعم فيه بنيامين نتنياهو أنّ احتلال غزة سيكون ضرورياً إلى حين «استبدال (حماس)»، فسيكون على المجتمع الدولي أن يأخذ في الاعتبار أنّ إسرائيل تسعى، فعلياً، لفرض احتلال «مفتوح» على كامل أراضي القطاع، وأنّ تلك الممارسات هي بمثابة «وصفة» لحرب دائمة مستقبلية. وإذ استبعد البيان الصادر عن مكتب نتنياهو حول الخطة كلمة «احتلال»، للتهرّب من الالتزامات القانونية الدولية التي قد تترتّب على ذلك، إلا أنّه «لا يجب على أحد أن يشكّك في أنّ هذا ما ينطوي عليه التصوّر الإسرائيلي»، بحسب المصدر نفسه.

وطبقاً لأصحاب الرأي المتقدّم، يمكن اختصار تاريخ نتنياهو في السياسة والدبلوماسية بـ«الأعذار اللامتناهية» التي تبرّر لإسرائيل عدم الوفاء بالالتزامات التي تعهّدت بها بموجب «اتفاقية أوسلو»، حول تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية؛ إذ عمد الأخير، بشكل لا متناهٍ طوال السنوات الماضية، إلى الحديث عن عدم وجود «شريك للسلام»، ثمّ الادّعاء أنّ أي دولة فلسطينية مستقبلية ستشكّل «تهديداً لإسرائيل».

واليوم، بناءً على الإحاطات التي ينشرها الإعلام الإسرائيلي، فإنّ الخطة المتصوّرة للقطاع ستشمل خمس فرق في عملية تستمر من خمسة إلى ستة أشهر، «يفترض أن يقدر الجيش الإسرائيلي خلالها على تحقيق أكثر ممّا حقّقه خلال عامين ونصف عام من الحرب التي اضطر فيها إلى شنّ عمليات متعدّدة في المناطق التي زعم أنّ (حماس) هُزمت فيها، قبل رؤية مقاتليها يعودون»، بحسب «ذا غارديان». وختم التقرير بالإشارة إلى أنّ «التاريخ الحديث للاحتلالات العسكرية ليس مشجّعاً وخاصة التجربة الأميركية والبريطانية مع حركات التمرّد في العراق وأفغانستان».

يمكن اختصار تاريخ نتنياهو بـ«الأعذار اللامتناهية» التي تبرّر لإسرائيل توسيع احتلالها

ولم تغب الوقائع المذكورة، على ما يبدو، عن ذهن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، عندما أعلن معارضته للخطة، معتبراً أنّ «من شأنها أن تؤدّي إلى مقتل الرهائن الإسرائيليين المتبقّين وزيادة المخاطر على الجنود في الجيش الإسرائيلي المنهك بالفعل، بفعل العبوات الناسفة البدائية»، بحسب التقرير نفسه الذي تابع أنّ «الآلية التي تخطّط عبرها إسرائيل لفرض سيطرتها الكاملة، من دون زيادة هائلة في عدد القتلى المدنيين بين السكان الفلسطينيين الذين يعانون بالفعل من الجوع، لم يتمّ توصيفها بشكل يبعث على الخوف».

بالتوازي، تشير حوادث القتل الجماعي المتعدّدة حول مواقع توزيع الأغذية التابعة لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة والتي راح ضحيّتها المئات من طالبي المساعدة بنيران الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً للأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى، «إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على أنّ الجيش الإسرائيلي سيتصرّف بإنسانية عندما يواجه هؤلاء المدنيين».

وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة «فاينانشال تايمز» تقريراً جاء فيه أنه في الوقت الذي يواصل فيه الزعماء الأجانب الضغط على نتنياهو لإنهاء «حربه الكارثية» في غزة، فقد عمد الأخير، بدلاً من ذلك، إلى وضع خطة جديدة من شأنها التسبّب بالمزيد من الموت والدمار. ونبّه التقرير إلى أنّ «توسيع الهجوم، مرة أخرى، سيكون كارثياً بالنسبة إلى إسرائيل، كما إلى الفلسطينيين. ومن شأنه أن يعرّض للخطر الرهائن العشرين المتبقّين، والذين يعانون أيضاً من الجوع ويعيشون حياة جهنّمية».

كذلك، ستتطلّب الخطة تعبئة الآلاف من جنود الاحتياط، وإجهاد الجيش المرهق، وتعريض المزيد من أرواح الإسرائيليين للخطر، جنباً إلى جنب «تآكل المكانة الأخلاقية لإسرائيل بشكل متزايد»، بعدما فقدت، منذ مدّة طويلة، أي مبرّر لمواصلة هجومها ردّاً على «حماس»، في ظلّ تزايد الأدلة على جرائم الحرب ومقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيّين.

وفي حين يصرّ نتنياهو على أنّ مهمّته هي تحقيق «النصر الكامل» على «حماس»، عبر تحرير الأسرى وتجريد غزة من السلاح وضمان السيطرة الإسرائيلية على القطاع وفي نهاية المطاف، إنشاء «إدارة مدنية» تستبعد فصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية، إلا أنه «لم يقدّم يوماً خطة متماسكة تتجاوز تدمير القطاع وتشريد الفلسطينيين قسراً». كما أنه لم يفكّر قطّ بشكل جدّي في البدائل المحتملة التي تقدّمها الدول الأخرى.

وختم التقرير بالإشارة إلى أنّه «بينما يبدو أنّ الرئيس الأميركي قد استيقظ أخيراً على المجاعة الناجمة عن استخدام إسرائيل للمساعدات كسلاح، فإنه لا يزال غير راغب، أو – في الحدّ الأدنى – غير قادر، على إجبار نتنياهو على إنهاء الحرب»، مضيفاً أنه عبر اتّباع هذا النهج، فإنّ ترامب «لا يخذل الفلسطينيّين فحسب، بل إسرائيل» نفسها أيضاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى