اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

ملف المراقبين الجويين إلى الحلحلة: هل تكفي إعادة إحياء “مركز التدريب”؟

فتات عيّاد

تحت وصاية “المافيا والميليشيا”، كان مطار بيروت الدوليّ: مع وزراء وصاية وتعيينات وتلزيمات، كرّست نهج الفساد وسطوة “حزب الله” على المرفق العام الوحيد الذي يربط لبنان بالعالم، ليدار خارج معايير المنظمة الدولية للطيران المدني “إيكاو” ICAO. وقبل سقوط آخر حبة رمل في “الساعة الرملية” لانهياره، قلبت الساعة في العهد الجديد، وانطلق قطار الإصلاح في المطار أخيرًا، مع تعيين الهيئة الناظمة للطيران المدني. “إنجاز” وزارة الأشغال هذا، والذي عطّلته ذهنية المحاصصة الطائفية لـ 20 عامًا، يُستتبع اليوم بمعالجة ملف آخر لطالما ضغطت “إيكاو” لمعالجته، وهو ملف نقص المراقبين الجويين، الذي وصل إلى ذروته مع رفض الرئيس السابق ميشال عون تعيين المراقبين الناجحين عام 2018، بحجة “التوازن الطائفي”، ليكرس التوازن تهديدًا لسلامة الملاحة الجوية للطائرات وركابها جميعهم من دون تمييز.



بعد أقلّ من عام على كشف “نداء الوطن” جدول عمل المراقبين الجويين، الذي وصل في الحرب الإسرائيلية على لبنان لدوام 24 ساعة، ضاربًا المعايير الدولية، نعود اليوم لنسلّط الضوء على استمرار عددهم بالتناقص: فمن 17 مراقبًا في كانون الأول الماضي، إلى 12 مراقبًا مجازًا فقط، تسير كامل الملاحة الجوية في لبنان اليوم.



وللمرة الأولى اليوم منذ العام 2010، يوضع الملف على سكة “الإصلاح” الجذريّ لا الترقيعيّ، وذلك من بوابة خطّة وزارة الأشغال للحل. في السياق، يكشف مدير عام الطيران المدني أمين جابر لـ “نداء الوطن”، أنها تأتي على مستويين اثنين: قرار الحكومة القاضي بإنجاز تدريب المراقبين الجويين الجدد، لينضمّوا للمراقبين الحاليين، وذلك عبر إعادة العمل بـ”مركز تدريب سلامة الطيران المدني CASC”، المقفل منذ سنوات، ما يمكّن “المعاونين المراقبين” من أخذ رخصة مراقب جوي، واللمسات الأخيرة لاتفاقية قيد الإنجاز لاستقدام مراقبين جويين من مصر ضمن اتفاقية “من دولة لدولة”.



“لبنان يحتاج إلى القرار والدعم والرؤية التي تحتضن التطوير ولا تعرقله”، قال وزير الأشغال العامة فايز رسامني خلال افتتاح “مركز التدريب” منذ أسابيع. والقرار بحل ملف نقص المراقبين الجويين “اتخذ”: فما هي الخطة والرؤية والمهلة الزمنية المتوقعة؟ وما الرابط بين تعيين نضال رزق مديرة بالتكليف لمصلحة الملاحة الجوية عوض المهندس كمال نصر الدين في هذا التوقيت؟



مراقبون “مع وقف التنفيذ”

بين تعطيل عون وتعطيل “مركز التدريب”

خلال سنوات 2010 – 2024، كان المراقبون الجويون يتناقصون تدريجيًا، إما بسبب التقاعد، أو لإيجاد بعضهم عملًا في الخارج، بعد انهيار العام 2019، حتى بات عددهم 17 مراقبًا جويًا فقط خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد تصل الحاجة التقديرية إلى 70 مراقبًا اليوم، أي أن عدد المراقبين كان لا يتجاوز حتى ربع الحاجة الحقيقية، ما يجعل عبارة “سايرة والرب حاميها” هي الأدق توصيفًا لتهديد هذا الملف سلامة الملاحة الجوية.



وفي تحقيقها في كانون الأول الماضي، نشرت “نداء الوطن” صورة جدول الدوامات، الذي أشرف خلاله المراقبون الجويون على إقلاع وهبوط الطائرات لذلك الشهر، وهنا فضيحة أخرى، تكشف عن دوامات 24 ساعة، راقب خلالها المراقبون الجويون 294 ألف مسافر خلال 64 يومًا من الحرب، في ضرب فاضح للمعايير الدولية التي تراعي قدرة المراقب على التركيز في مهمة لا تقبل الخطأ البشري ولا يمكن التمديد لها لأكثر من 12 ساعة!

أزمة المراقبين الجويين تراكمت عبر السنوات، كجزء من غياب رؤية عامة لاستراتيجية وطنية للطيران المدني. وصحيح أنّ القرار السياسي القاضي بالحلول قد غاب، لكن كانت دومًا هناك قرارات سياسية بديلة، قوامها “التعطيل”.

ويمكن اختصار تعقد ملف المراقبين الجويين، بمحطتين أساسيتين تختصران 15 عامًا من تسويف الحل ومراكمة الأزمة: المحطة الأولى، هي بقاء المراقبين الجويين الجدد لدفعة “عام 2010″، المثبتين عام 2013، بصفة “معاون مراقب” لعدم تمكنهم من أخذ رخصة مراقب جوي إلى اليوم، بسبب تعطل العمل بـ “مركز تدريب سلامة الطيران المدني” (توقف العمل به في ظروف الحرب الأهلية)، الذي يمنحهم رخصة العمل كمراقب جوي بعد تدريبهم وفق المعايير المحلية والدولية وضمنها معايير الإيكاو، المشرع الأعلى للطيران في العالم، ما أبقاهم معاوني مراقبين، لا يستطيعون استلام مناوبة عمل المراقبة وحدهم، ويقتصر عملهم على “مساعدة” المراقب الجوي لا الحلول مكانه، ما كثّف الضغط على المراقبين الجويين المجازين، لضرورة تقسيم مناوبات المراقبة، على عددهم حصرًا.



المحطة الثانية من التعطيل، كانت بعدم ضم المراقبين الجدد، عام 2018 لأبراج المراقبة، حتى بصفة معاون مراقب، بسبب رفض رئيس الجمهورية السابق ميشال عون توقيع مرسوم تثبيتهم، على غرار رفضه تثبيت الناجحين كحراس أحراج، ودومًا بحجة التوازن الطائفي.



على الرغم من موافقة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، منذ قرابة العامين على تثبيت الناجحين من المراقبين الجويين العام 2018 وذلك تحت وطأة الحاجة الماسة لتثبيتهم، إلا أنه لم يستتبع بتدريبهم في “مركز تدريب” يمنحهم رخصة عمل كمراقب جوي، شأنهم شأن معاوني دورة العام 2010 المثبتين عام 2013، ما عرقل رفع عدد المراقبين الجويين المجازين من دفعة التسعينات الذين يسيّرون وحدهم الملاحة اليوم.



بين المحطتين، بقي معاون المراقب “معاونًا” والمراقب الناجح، “ناجحًا” مع وقف تنفيذ ترقي الأول لصفة “مراقب جوي مجاز” ووقف تنفيذ ترقي الثاني لناحية “تثبيته”. والمحصلة: تناقص مستمر في أعداد المراقبين المجازين، ودوامات عمل غير إنسانية، لكن السلطة اللبنانية كانت تغرد خارج إيقاع “إيكاو”، التي كانت صريحة في تقاريرها بأن دوامات مراقبي برج المراقبة في مطار بيروت منافية حتى للمعايير العالمية.



إعادة إحياء مركز التدريب

ثقافة “انتظام المؤسسات”

في جلسة حكومية بتاريخ 29 أيار الماضي، أقرت حكومة الرئيس نواف سلام، إنجاز تدريب المراقبين الجويين الجدد أو “مراقب معاون”.



في حديث لـ “نداء الوطن”، يشرح مدير عام الطيران المدني، أمين جابر، كيف أنّ “مركز تدريب سلامة الطيران المدنيّ” CASC، هو المركز الرسمي المتخصص بالتدريب في الطيران المدني، للمراقبين الجويين والطيارين ومنحهم الرخص وفق معايير “الإيكاو”. المركز الذي توقف العمل به بسبب الحرب الأهلية، واستؤنف العمل به اليوم، سيسمح له بتدريب المراقبين الجويين الجدد، ومنحهم الرخص التي تمكنهم من الالتحاق بالمراقبين الجويين المجازين في أبراج المراقبة.

وبتوجيهات من وزير الأشغال فايز رسامني، “عملنا لأكثر من شهرين على خطة قوامها إعادة العمل بالمركز عبر مستويين اثنين: الكادر الفني والإداري عبر تشكيل فريق عمل متكامل يسيّر المركز، بدءًا من تعيين مدير للمركز بالتكليف، وأساتذة مدربين. والمستوى الثاني هو تأمين النواقص على مستوى الأجهزة التقنية المطلوبة لتلبية حاجات التدريب، علمًا أنّ “نظام المحاكاة” الذي يدرِّب المراقبين الجويين بشكل أساسي، مؤمّن منذ العام 2019″.



في السّياق، يُبيّن جابر أنه “لدينا 35 مراقبًا جويًا جديدًا، قرابة نصفهم، هم دفعة العام 2010، والنصف الآخر هم دفعة 2018. وقد انطلقنا في الدورة التمهيدية الأولى للمراقبة الجوية ATC 051 منذ 3 أسابيع مع دفعة العام 2010، أي “المساعدين المراقبين” الذين يساعدون ويمارسون مهام بالفعل منذ سنوات في أبراج المراقبة.



من 9 أشهر إلى عام

أزمة 15 عامًا تحل في أشهر؟

وعن مدة التدريب، يلفت جابر إلى أنها “قد تمتد بين 9 أشهر إلى عام، لأخذ الترخيص والعمل كمراقب جوي، ما يخفف الضغط على المراقبين الجويين الحاليين خلال سنة”، لينجح مركز التدريب في أبرز أسباب استئناف العمل به، وهو معالجة نقص المراقبين الجويين.



وفي التفاصيل، هناك 5 دورات أساسية تنتظر معاوني المراقبين، ويزيد مستوى التدريب مع كل دورة، ويحوي رخصا مختلفة (مراقب في برج المراقبة، مراقب في المراقبة الإقليمية…). ويعطي جابر مثالًا: عندما يُنجز المتدرب من دفعة 2023، ثلاث دورات متتالية، من أصل 5 دورات، يخوّل حينها العمل في برج المراقبة، بحيث يراقب الطائرات في مطار بيروت الدولي، تحت مسمى on job training كمساعد مراقب جوي، وعندما تنتهي جميع الدورات، يتم تقييمه ومنحه شهادة ترخيص كمراقب جوي مجاز.



الاستعانة بمراقبين من الخارج

ولا يمكن الانتظار، ريثما ينضم معاونو المراقبين، للمراقبين الجويين بصفة مراقب، والمخاطرة بالسلامة الجوية إلى ذلك الحين، لا سيما أن عدد المراقبين الجويين تناقص حتى بلغ 12 مراقبًا فقط اليوم، فمنذ كانون الأول إلى اليوم: توفي مراقب، وأحيل آخر إلى التقاعد وفق ما يكشف جابر، فيما ترك 3 مراقبين العمل على أثر الأزمة الاقتصادية، فرخصة المراقب تمكنه من العمل في مطارات عالمية، يصل راتبه فيها إلى 5000 دولار أحيانًا.



وعن استقدام مراقبين جويين من الخارج، يكشف جابر أنها ستكون “اتفاقية من دولة لدولة، لمراقبين لديهم تراخيص ويعملون فعلًا في المطارات، وقد طلبنا الدعم من مصر، وأبدوا استعدادًا، ونتوقّع أن نصل إلى اتفاق قريبًا، ينتج عنه استقدام قرابة 16 مراقبًا جويًا”.



ولا ينكر جابر أنّ ظروف عمل المراقبين الجويين ليست مثالية اليوم، واعدًا بأن “تتحسن تدريجيًا مع استقدام مراقبين من الخارج”، ما يريح المراقبين الحاليين، فعوض تقسيم دواماتهم على 24 ساعة يعملون خلالها على فترات مناوبة متقطعة ( تبديل كل 3 ساعات بين 6 مراقبين)، يتم تقسيم الدوام إلى 12 ساعة، ما يجعلهم يعملون في شروط أفضل.



تعيينات جديدة

علمًا أن كل هذه الحلول، ترافقت مع تعيين نضال رزق، مديرة لمصلحة الملاحة الجوية بالتكليف، خلفا للمهندس كمال نصر الدين.

وعن معلومات “نداء الوطن” حول أجواء مشحونة رافقت مرحلة التسليم والتسلم، يعلّق مصدر في الطيران المدني بالقول “كانت هناك صعوبة بأن يسير نصر الدين معنا في مشروع إعادة إحياء مركز التدريب، فهو لم يتعاون في هذا الملف ولديه مقاربة مختلفة، ما جعل الوزير رسامني يفتح المجال لرزق، لأنها أشد انفتاحًا على هذا الحل الجذري والأمثل والأكثر توفيرًا على الدولة عوض تدريب المراقبين في مراكز غير رسمية، عدا عن أن نصر الدين بقي في منصبه لأكثر من عقد، ولا ضير من إحداث تغيير ريثما يتم تعيين مدير بالأصالة.



نحو استراتيجية وطنية للطيران المدني

من جهته، كان الوزير فايز رسامني قد أكد خلال إعادة إحياء مركز التدريب أنه بات ركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية للطيران المدني، مهامه تتخطى تدريب المراقبين، إلى إعداد كوادر في مختلف مجالات الطيران المدني.



والسؤال البديهيّ: لماذا حلت أزمة عقود في عام واحد؟ والجواب هو أن ملف المراقبين الجويين، خير مثال على أن الرؤية والحل يكونان أحيانًا على شكل “قرار” سياسي إصلاحي جذري، يعيد انتظام المؤسسات، وكان هذه المرة عبر إعادة إحياء مركز التدريب، الذي أقفلته الحرب، وأبقت السلطة الحاكمة عليه مقفلًا، فكان الفساد حربًا من نوع آخر، هددت سلامة الملاحة الجوية في لبنان لعقود، فيما إعادة إحيائه أعادت عقارب مطار بيروت للتوقيت الدولي!

نداء الوطن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى