رياضة

الأنصار زعامة تُتوَّج بالأداء قبل النتيجة واللقب



بقلم الإعلامي: سليم ناصر

في أمسية كروية جسدت خلاصة موسم طويل من العمل والانضباط، نجح نادي الأنصار في حسم لقب الدوري اللبناني لكرة القدم قبل مرحلته الختامية، بعد انتصاره المستحق على فريق التضامن صور، في مواجهة لم تكن مجرد مباراة بل كانت عرضًا تكتيكيًا متكامل الأركان، أظهر فيه الأنصار لماذا يستحق الزعامة، لا فقط بالأرقام، بل بالأداء والشخصية والابتكار.

خطة مدروسة وأداء منضبط

منذ صافرة البداية، بدا واضحًا أن الأنصار دخل المباراة بعقلية البطل لا الباحث عن الفوز فحسب. مدرب الفريق رسم خطة دقيقة تُراعي تفاصيل اللعب المفتوح من جهة، واستغلال الثغرات الدفاعية المتوقعة من جهة أخرى. فكان الاعتماد الأساسي على توظيف الأجنحة — أحد أبرز مفاتيح اللعب لدى الفريق — عبر اختراقات مدروسة تصل إلى أقصى حدود خط الركنية. والهدف من ذلك لم يكن فقط خلق الخطورة المباشرة، بل جرّ أكبر عدد ممكن من مدافعي التضامن صور إلى العمق، ما يفتح المجال لتمريرات خلفية منظمة “Back Pass” نحو لاعبين قادمين من الخلف يملكون زاوية رؤية أوسع وحرية في التسديد أو التمرير.

هذا التكنيك لم يكن ارتجاليًا، بل يُعتمد عليه كمبدأ ثابت في أسلوب لعب الأنصار، الذي يسعى في كل هجمة إلى تحصيل أكثر من مكسب: إن لم تنتهِ الكرة بفرصة محققة، فهي على الأقل تؤدي إلى ركلة ركنية، أو تُرهق دفاع الخصم وتشتته، وهو ما حدث مرارًا خلال المباراة.

التضامن صور: انكماش تكتيكي وهجمات خاطفة

في المقابل، لعب التضامن صور بأسلوب دفاعي حذر، مدركًا الفارق في الجودة الفنية واللياقة الذهنية بين الفريقين. عمد المدرب إلى تكتيك التكتل الدفاعي مع منح الأنصار سيطرة شكلية على الكرة، على أمل استدراجه لفتح المساحات واستغلالها في هجمات مرتدة سريعة. اللاعب كريم قاسم شكّل نقطة الارتكاز الأساسية في هذه الخطة، بفضل قدرته على التحول السريع من الدفاع إلى الهجوم.

لكن رغم أن الخطة بدت منطقية نظريًا، فإن تطبيقها على أرض الواقع واجه صعوبات جمّة، أبرزها سرعة الأنصار في افتكاك الكرات، ونجاح لاعبيه في الضغط العكسي واسترجاع الكرة بعد فقدانها خلال ثوانٍ معدودة، ما جعل هجمات التضامن غير مكتملة وتفتقر إلى العمق أو الاستمرارية.

قراءة مزدوجة: الأنصار يقرأ المباراة على مستويين

ما يُحسب للأنصار في هذه المباراة ليس فقط التفوق الهجومي، بل أيضًا الوعي التكتيكي باللعب على المساحتين: الكرة والخصم. فعلى الرغم من السيطرة التي فرضها الفريق على الكرة، لم يُفرط في الاندفاع، بل كان يتحيّن هجمات التضامن المرتدة، ليفتك الكرة بسرعة وينطلق بهجمة مضادة مضادة، تستغل الفراغات التي تركها اندفاع التضامن للأمام.

هذا الأسلوب المزدوج — هجوم منظم ودفاع استباقي ذكي — يؤكد أن الفريق بلغ نضجًا تكتيكيًا قلّ نظيره، ويعكس حجم العمل الفني الكبير الذي بُذل خلف الكواليس، من الجهاز الفني وحتى أصغر عناصر المنظومة.

تتويج مستحق

بهذا الانتصار، لا يضع الأنصار يده على درع الدوري فحسب، بل يفرض نفسه كفريق يقدم كرة قدم متكاملة: جمالية في الأداء، عقلانية في التمرير، وواقعية في التمركز. لقد حسم البطولة قبل نهايتها، لكن الأهم أنه رسّخ في أذهان المتابعين نموذجًا يُحتذى في كيفية بناء فريق لا يكتفي بالفوز، بل يقنع ويُمتع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى