مقالات وقضايا

لبنان المنقسم… من يكتب فصل المصالحة؟..بقلم محمد غزالة



بقلم محمد غزالة

رغم أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان خلّفت دماراً مادياً وإنسانياً موجعاً، إلا أن ما هو أخطر من الدمار الظاهر، هو الانقسام العميق الذي ظهر على السطح بين اللبنانيين. فالمواقف المتباينة، بل والمتناقضة، من الحرب وأسبابها ونتائجها، لم تبقَ حبيسة النخب السياسية والإعلامية، بل امتدت إلى الشارع، إلى الناس، إلى العائلة الواحدة.

الشرخ كبير، والهوة تتسع، والتشنجات الداخلية لم تعد موسمية كما في السابق، بل أصبحت بنيوية، وكأننا نعيش في أكثر من “لبنان” داخل جغرافيا واحدة.
مشهد الانقسام… من الحرب إلى كل تفصيل

أظهرت التجربة الأخيرة أن هناك غياباً فادحاً للحد الأدنى من الإجماع الوطني. كل حدث، مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، يتحول إلى مادة خلافية.٦ حتى في ظل الخطر الوجودي، فشلنا – كلبنانيين – في التوحد خلف قضية سيادية تمس كل بيت وشارع. هذا الانقسام لم يعد سياسيًا فقط، بل هو أخلاقي وثقافي واجتماعي.

في المقابل، دول كثيرة عانت من حروب أهلية وأزمات كبرى، لكنها وجدت في الشدائد فرصة لإعادة بناء الهوية المشتركة والانصهار الوطني. فلماذا لا ينجح لبنان في ذلك؟
أين الدولة؟ وأين القوانين؟

أين الدولة من كل هذا؟ لا قانون انتخابي يوحّد ولا مناهج تربوية تؤسس للانتماء الوطني العابر للطوائف، ولا خطاب رسمي جامع. بل على العكس، تعاني مؤسسات الدولة من الضعف، ومن افتقادها للرؤية الواضحة، ومن خضوعها للتجاذب السياسي والمذهبي.

في ظل غياب التشريعات التي تعزز الانصهار الوطني – كمثل قانون أحزاب عصري، أو إعلام وطني موحَّد – تبقى الدولة متفرّجة، إن لم نقل متواطئة، على التمزق.
الإعلام.. بين الدور والمسؤولية

الإعلام في لبنان تحوّل في غالبيته إلى امتداد للانقسام السياسي، يكرّس الفجوات بدل أن يردمها. نادراً ما نرى خطابًا إعلاميًا جامعًا، أو مبادرات لحوار وطني إعلامي. المطلوب ليس فقط ميثاق شرف إعلامي، بل حوكمة إعلامية تعيد للمنبر الإعلامي دوره التوعوي لا التعبوي.
الأحزاب والجمعيات.. من الانقسام إلى الشراكة الوطنية

الأحزاب اللبنانية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تنتقل من عقلية الاصطفاف الطائفي إلى عقلية الشراكة الوطنية. ليس المطلوب منها التخلي عن برامجها، بل تطوير خطابها ليكون جامعًا لا تقسيميًا. كذلك الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، عليها أن تلعب دورًا أكبر في تنظيم الحوارات المجتمعية وبناء ثقافة الوحدة.
من أجل استراتيجية وطنية جامعة

حتى نخرج من هذه الدوامة، هناك حاجة ماسّة لاستراتيجية متكاملة:
1. استراتيجية وطنية رسمية

    تطوير المناهج التعليمية لتكريس مفهوم المواطنة.

    تشريع قانون انتخابي يعتمد النسبية خارج القيد الطائفي.

    إنشاء هيئة وطنية للمصالحة والحوار المستدام.

2. استراتيجية حزبية

    التزام الأحزاب بميثاق وطني يلغي التحريض الطائفي.

    تبني خطاب إعلامي وسياسي هادئ ومسؤول.

    المشاركة في مبادرات مشتركة بين الأحزاب من مختلف الانتماءات.

3. استراتيجية أهلية – مجتمعية

    إطلاق منتديات شعبية للحوار الوطني في المناطق.

    دعم الإعلام المجتمعي المحلي كوسيلة لبناء الثقة بين الناس.

    تنظيم حملات توعية على الوحدة الوطنية وقيم التعددية الإيجابية.

من الشقاق إلى الشراكة

لبنان لا يحتاج إلى معجزات بقدر ما يحتاج إلى إرادة جماعية للعيش المشترك. نحن أمام لحظة مصيرية: إما أن نغتنمها للانطلاق نحو وحدة وطنية حقيقية، أو نواصل الدوران في حلقة الانقسامات حتى الانهيار الكامل.

ليكن الألم فرصةً للتلاقي، ولتكن الحرب مناسبةً لنبدأ، لا لننتهي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى