قروض «مصرف الإسكان» ممنوعة عن الضاحية والجنوب والبقاع

فؤاد بزي
ابتداءً من يوم الإثنين الماضي، بدأ مصرف الإسكان بصرف القروض المخصّصة لشراء وبناء وترميم البيوت.
يأتي ذلك بعد توقّف دام لأكثر من 7 سنوات، أي منذ عام 2018، لكنّ المفاجأة هي في الشرط الجديد الذي استحدثته الإدارة والرامي إلى منع أي أسرة من الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت أو في الجنوب أو حتى في البقاع من الحصول على قرض شراء أو ترميم منزل.
هي خطّة تهجير تتواءم مع سلوك هذه الحكومة منذ تولّيها مقاليد الحكم.
فإلى جانب مساحة المسكن المحدّدة بـ150 متراً مربعاً كحدّ أقصى، وقيمة القرض التي لا تتجاوز 100 ألف دولار، وبعيداً عن همروجة «عودة الإسكان»، ظهر من العدم شرطان لتمويل طلب قرض الشراء أو الترميم؛ الأول، شراء عقد تأمين ضد مخاطر الحرب. والثاني، تأمين كشف حساب مصرفي بالأجر المدفوع بالدولار يعود إلى سنتين على الأقل.
واللافت أن الاستمارة الصادرة عن مصرف الإسكان المُسماة «استمارة شروط الحصول على القرض» لا تتضمن أيّ معلومات عن عقد التأمين ضدّ مخاطر الحرب، إذ إن منح قروض الإسكان تاريخياً يقتصر على شراء بوليصتي تأمين: تأمين على الحياة للمقترض، وتأمين على الإنشاءات، أي ضدّ الحريق.
لكن أضيفت فقرة ضمن «الضمانات الأساسية»، بأنّ بوليصة التأمين على حياة المقترض يجب أن تشمل «الوفاة والحرب والعجز الكلّي أو الجزئي الدائم»، ما يجعل من عقد التأمين ضدّ مخاطر الحرب مطلوباً للحصول على القرض على ما يؤكّد متابعون للملف.
لا يذكر مصرف
الإسكان في
استمارة الشروط أيّ معلومات عن التأمين ضدّ مخاطر الحرب
هذا النوع من عقود التأمين إما غير متوافر لدى شركات التأمين، أو توضع عليه شروط قاسية ومكلفة جداً. فعلى سبيل المثال «لا تغطّي هذه العقود جميع أنواع الأضرار أو الخسائر الناجمة عن الحرب، ولا تغطي المناطق المصنّفة عسكرية أو حربية»، يقول سامر بعيني الذي يعمل سمساراً لعقود التأمين.
بمعنى آخر، يؤكّد أنّ «الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية مستثناة من هذه العقود لأنّها مهدّدة بشكل دائم بالحرب». ويضيف: «يدخل هذا النوع من العقود في تصنيف الأسلحة المستخدمة في الحروب أيضاً، إذ تستثني التغطية الأضرار الناجمة عن أسلحة بعينها».
وحول طلب شراء عقود تأمين ضد الحروب على المساكن، يشير بعيني إلى أنّ «هذه العقود تأتي بشكل منفصل، أو توضع كإضافات خاصة على وثائق التأمين القياسية».
ويؤكّد هذه المعلومات عدد من طالبي القروض، الذين رفضت إدارة مصرف الإسكان طلباتهم لوقوع المنازل التي يرغبون بشرائها في «مناطق حرب»، وفقاً لتصنيف شركات التأمين وإعادة التأمين العالمية. وللمفارقة، لا تشمل هذه المناطق كلّ الأراضي اللبنانية، بل تُحدّد بالمناطق التي تعرّضت للقصف خلال العدوان الصهيوني الأخير، أي الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
وهنا ظهر تصرّف مصرف الإسكان واضحاً لجهة «التمييز» بين طالبي القروض، إذ يرفض تحت حجة «عقد التأمين» الموافقة على قرض لشراء أو ترميم منزل في الضاحية الجنوبية، أو صور، ويوافق على التمويل في مناطق أخرى. وهذا ما يدفع للسؤال عن التمييز الممارس بحقّ هذه الشريحة تحديداً من الشعب، إذ تبدو تصرّفات الإسكان وكأنّها تمنع إعمار مناطق محدّدة.
إذاً، رغم وصول أموال لدعم مشاريع قروض الإسكان من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، فإنه لا قروض شراء أو ترميم مدفوعة من مصرف الإسكان لطالبي ترميم منازلهم جرّاء العدوان الأخير، ولا قروض لشراء منازل في «مناطق الحرب».
وفي محاولة من «الأخبار» للاستفسار عن الأمر من المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب، تهرّب الأخير من الإجابة على هذا السؤال، وهو الذي دأب على الظهور الإعلامي في كل مناسبة صغيرة وكبيرة، طالباً «مراجعة رقم الشكاوى الساخن، لأنّ السؤال تقني».
فهل من الطبيعي أن يكون هذا السؤال تقنياً طالما أنه يستثني شريحة واسعة من اللبنانيين الذين أصيبوا بنكبة؟ أليس الهدف من أن يكون مصرف لبنان مملوكاً من الحكومة مناصفة مع المصارف وأن يقدّم خدمة اجتماعية يُفترض أن يحرص على تطبيقها حبيب وممثّلو الدولة في مجلس الإدارة؟
ألا يُفترض أن يكون الإقراض السكني المدعوم من الدولة واحداً من مظاهر الدعم الاجتماعي الذي يصفه حبيب بأنه «تقني»؟ هل الناس المنكوبون هم مجرّد أرقام بالنسبة إلى حبيب حتى يكون شرط حصولهم على قرض أمراً «تقنياً»؟
لذا، وفي المدى المنظور لن يحصل هؤلاء على أيّ حصة من المبلغ المقدّر بـ50 مليون دينار كويتي، أي 165 مليون دولار، والذي بدأ مصرف الإسكان بتوزيعه على طالبي القروض الآخرين.
من جهة ثانية، لا يستطيع حبيب إعطاء إجابة حول العدد الأقصى من القروض الذي سيعطيه مصرف الإسكان، فقيمة القروض متفاوتة وفقاً لحبيب، إذ تراوح بين 20 ألف دولار و100 ألف دولار، علماً أنّ سقف القرض كان 50 ألف دولار.
ولكن، بعد العدوان الصهيوني الأخير على لبنان، وجد مصرف الإسكان أنّ سقف 50 ألف دولار للقرض الواحد لم يعد مجدياً، لذا طلب موافقة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي على رفع القرض.
وفي نهاية أيار الماضي، حصّل المصرف الموافقة، ورفعها إلى مجلس الوزراء الذي وافق بدوره في جلسته الأخيرة على زيادة قيمة قرض الإسكان حتى 100 ألف دولار أميركي، إنّما ستبقى الزيادة من دون جدوى لأنّها لم تشمل الشريحة الأكثر حاجةً إلى القروض.
وفي ما يتعلق بآلية صرف القروض، أكّد حبيب أنّ «مصرف الإسكان صرف المئات منها حتى الآن، وتُدفع المبالغ مباشرةً للبائع، إذ يُحوّل المبلغ مباشرةً إلى حسابه الفريش المصرفي».
وهنا، يلفت عدد من أصحاب الطلبات إلى رفض مصرف الإسكان متابعة معاملاتهم بسبب عدم وجود حسابات مصرفية تُحوّل إليها أجورهم.
ولم تنفع كلّ محاولات طالبي القروض بإقناع موظفي المصرف بأنّ «المصارف منهارة منذ عام 2019، والشركات التي يعملون فيها أقفلت حسابات الموظفين فيها منذ 5 سنوات».
وللتهرّب من الإجابة، أعاد موظفو الإسكان السبب في عدم الموافقة على هذه الطلبات إلى «شروط الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي»، والذي لا يوافق على طلب القرض إلا بوجود «كشف حساب رسمي منتظم»، وفقاً لحجّتهم، إلا أنّ شروط القرض المنشورة على الإنترنت لا تشترط كشف الحساب المصرفي حصراً، بل تسمح بوجود أي «إثبات آخر يوثّق الدخل بالدولار الأميركي الورقي النقدي».
الأخبار