اخر الاخبارمقالات وقضايا

ضربة محدودة أم تمهيد لصراع أكبر؟ بقلم: عبد القادر شعلان



الصور القادمة من الأقمار الصناعية بتاريخ 19 و20 يونيو/حزيران، والتي تظهر أكثر من 15 شاحنة عند مدخل منشأة فوردو النووية، ليست مجرد مشهد لوجستي اعتيادي. هذا الحشد اللافت من الشاحنات، وبالتحديد في موقع حساس بهذا الحجم، يشير بوضوح إلى نقل معدات أو مواد ذات أهمية استراتيجية. الاحتمال الأكثر ترجيحًا: أصول نووية، وربما تجهيزات اتصالات وتحكم، أُعيد توزيعها أو جرى تحصينها في أعماق المنشأة بعد الإنذار المبكر بالضربات الأمريكية.

*إيران كانت تعرف مسبقًا.*

لم تكن الضربة الأمريكية مفاجئة. المعلومة المؤكدة أن واشنطن أبلغت طهران بنيّتها تنفيذ ضربة محدودة، تستهدف منشآت نووية، ولكن دون نية للتصعيد أو تغيير النظام. هذا الإبلاغ لم يكن مجرد رسالة دبلوماسية، بل جزء من لعبة معقدة هدفها إرسال رسالة قوة دون الانزلاق إلى حرب شاملة، مع الحفاظ على خطوط التفاهم المفتوحة مع كل من طهران وتل أبيب.

الولايات المتحدة نسّقت بشكل مباشر ومكثف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هذا التنسيق أفضى إلى قرار الضربة بعد أسابيع من النقاشات، مما يعني أن العملية لم تكن رد فعل طارئ.

*الضربة وقعت، لكن ماذا أصابت؟*

رغم التصريحات النارية والضجيج الإعلامي، الواقع على الأرض مختلف:
• المداخل تم تعطيلها، ربما لإرباك الحركة اللوجستية، أو لقطع خطوط الإمداد.
• منشآت البحث، على ما يبدو، لم تتعرض لأضرار تذكر.
• العمق المحصن، حيث يُخزّن اليورانيوم المخصب، بقي سليمًا.

هذا يشير إلى أن الضربة لم تكن تهدف إلى شل البرنامج النووي، بل إلى إرسال تحذير، و”إعادة ضبط” قواعد اللعبة.

فوردو لم تُمس فعليًا… وهذا يقلق إسرائيل.

المنشأة التي تعتبرها إسرائيل “كابوسًا تحت الجبال” ما تزال قائمة، وفي وضع تشغيلي. ورغم التنسيق مع واشنطن، فإن تل أبيب تدرك أن الضربة لم تنهِ التهديد. لكنها تُبقي على خطاب علني منخفض، خوفًا من غضب ترامب، الذي لا يريد تصعيدًا يعكر حساباته السياسية في الداخل الأمريكي.


التوقعات للأيام القادمة:

1. *إيران ستستثمر الضربة سياسيًا، لا عسكريًا.*
طهران ستظهر بمظهر المتماسكة، وستستغل الحدث لتعزيز شرعيتها الداخلية دون تصعيد مباشر.

2. *المنشآت النووية ستُحصّن أكثر.*
النقل الكثيف للشاحنات قد يكون بداية مرحلة إعادة تموضع تقني، أو إخفاء متعمد لأدلة ما.

3. *إسرائيل ستضغط، ولكن بهدوء.*
نتنياهو لن يغامر بمواجهة علنية مع واشنطن الآن، لكنه سيطالب بخطوات أكثر حسماً في الكواليس.
4. *الولايات المتحدة ستنتظر الرد الإيراني* وتراقب السلوك في مضيق هرمز واليمن.
أي هجوم بالوكالة سيكون الذريعة المثالية لتوسيع العمليات دون الدخول في حرب مفتوحة.
5. *مستوى التأهب الإقليمي سيبقى مرتفعًا، والملف النووي الإيراني سيعود للواجهة الدبلوماسية، لكن على إيقاع النار هذه المرة.*



*الخلاصة:*

الضربة الأمريكية كانت عملية “تنظيف موضعي”، لا أكثر. إيران قرأت الرسالة، وردّت بتكتيك الاحتواء، لكن فوردو لم يسقط. وهذا ما يبقي يد إسرائيل على الزناد، وواشنطن في وضع مراقبٍ قَلِق. الشرق الأوسط أمام مرحلة جديدة: لا هي حرب شاملة، ولا هي تسوية. بل حالة خطرة من *الردع المضبوط*… حتى إشعار آخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى