ذهول في إسرائيل: «سوروكا» ليست «الشفاء»

أحمد العبد
رام الله | علت، صباح أمس، أصوات العويل في إسرائيل، على وقع الضربة الصاروخية الإيرانية التي طالت مناطق متفرّقة، وأحدثت زلزالاً أمنيّاً وسياسيّاً، نظراً إلى دقّة الإصابات من جهة، وحجم الخسائر والأضرار، والفشل المتجدّد للدفاعات الجوية، من جهة ثانية.
وطغت، من جرّاء ذلك، حالة من الذهول على المجتمع، ووسائل الإعلام والمحلّلين السياسيين والعسكريين، فيما بدت سلطات الاحتلال عاجزة عن حجب صورة ما جرى عن الرأي العام، رغم نشر الشرطة وحداتها لوقف بثّ وسائل إعلام أجنبية كانت توثّق مواقع سقوط الصواريخ.
وعُدَّ هجوم صباح الأربعاء، والذي استُخدمت فيه الصواريخ والمسيّرات، الأكبر خلال 48 ساعة، فيما أسفر عن إصابة نحو 200 شخص، بعضهم بجروح خطيرة، ودمار هائل في مناطق متفرّقة. ووفقاً لِما أفادت به وسائل إعلام إسرائيلية، فقد طالت الصواريخ الإيرانية مواقع في تل أبيب، رمات غان، حولون، بئر السبع، ومنطقة الشارون، في حين تواصل فِرق الإنقاذ البحث عن عالقين تحت الأنقاض.
واعترفت سلطات الاحتلال بنجاح الضربة في إصابة عدّة أهداف، من بينها مقرّ البورصة الإسرائيلية في تل أبيب، بينما رفعت الرقابة العسكرية الحظر عن بعض الأحداث الأمنيّة، ومنها إصابة منزل الوزير السابق عن حزب «الليكود» داني نافيه، كاشفةً أيضاً أنّ صاروخاً أُطلق من إيران، نحو تل أبيب الكبرى، «كان مركّباً من عدّة رؤوس حربية صغيرة». وبحسب التقديرات الأوّلية، فقد انفجرت هذه الرؤوس في عدّة نقاط في المنطقة، ما أدّى إلى إصابات وأضرار متفرّقة.
في الوقت ذاته، يتكتّم الاحتلال بشكل كبير على الأهداف العسكرية التي تستهدفها إيران، ومنها «مقرّ الاتصالات والتحكّم والاستخبارات» التابع للجيش في مجمع «غاف يام» التكنولوجي المجاور لمستشفى «سوروكا» العسكري، والذي تبنّى الحرس الثوري استهدافه.
وفي المقابل، سعت إسرائيل لبناء سردية تكسبها تعاطفاً عالميّاً، عبر القول إنّ القصف استهدف المستشفى بشكل مباشر. ولاحقاً، أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية، أنها أجلت المرضى من المركز الطبي «سوروكا» في مدينة بئر السبع، إلى مستشفيات أخرى، عقب سقوط صاروخ إيراني تسبّب في أضرار في قسم الطوارئ وعدد من مباني المستشفى.
يرتفع الجدل داخل إسرائيل حول حقيقة الخسائر التي تتكبدّها نتيجة الهجمات الإيرانية
ويأتي هذا في وقت يرتفع فيه الجدل داخل إسرائيل حول حقيقة الخسائر التي يتكبّدها الكيان نتيجة الهجمات الإيرانية، في ظلّ اتهامات للحكومة والجيش بتعمّد التعتيم، وظهور أصوات تشكّك في قدرتهما على حماية المدنيين ومنع تصاعُد الهجمات. وسرعان ما بدأت مواقع المستوطنين تتحدّث عن خديعة إيرانية، انطلت على المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية، بالقول: «يبدو أنّ الإيرانيين أيضاً خدعونا في اليومَين الماضيَين.
أطلقوا عدداً قليلاً من الصواريخ، ونحن وقعنا في الفخّ؛ فتحنا الأجواء، فتحنا أماكن العمل، والإيرانيون عادوا وبقوّة… كل المحلّلين في القنوات بلعوا ألسنتهم!»، وذلك في إشارة الى قرار الحكومة رفع بعض القيود الداخلية.
وأجرت قناة «كان» العبرية، من جهتها، جولة رصدت فيها الدمار في منطقة «حولون» قرب تل أبيب، إذ قال مراسلها: «ما رأيناه سابقاً يبدو لي لا شيء مقارنة بموقع السقوط، انظروا كيف يبدو هذا المكان من الجهة الأخرى، دمار شامل، كل شيء مدمّر تماماً، انظروا إلى كل هذا الحطام الجنوني، المباني ببساطة منهارة، كل الطوب المتفتّت، ترون كل الخرسانة هنا».
في موازاة ذلك، غرّد الصحافي المقرّب من نتنياهو، ناتان إيشيل، قائلاً إنّ «اغتيال الخامنئي أهمّ من ضرب منشأة فوردو. رأس الأفعى هو النظام، وليس البرنامج النووي».
أمّا الرئيس الإسرائيلي، يتسحق هيرتسوغ، فقال من موقع سقوط الصاروخ بالقرب من مستشفى «سوروكا»، إنه «من أجل مستقبلنا، علينا أن نناضل ونغيّر الواقع – وهذا يعني توجيه ضربة قويّة للغاية إلى رأس الأفعى التي تجلس في طهران». ووصف وزير الرياضة الإسرائيلي، ميكي زوهار، بدوره، الهجوم بأنه من تنفيذ «أحقر الناس على وجه الأرض»، لأنه طال مستشفى، وهو ما أثار موجة من الغضب والسخرية على منصات التواصل؛ إذ كتب الناشط الإسرائيلي، يوآف غروفايس، عبر منصة «إكس»: «الناس هنا لم يتوقّفوا عن تبرير قصف مستشفيات في غزة، لكن في اللحظة التي يُطلق فيها النار على مستشفى عندنا، فجأة ينهض الجميع ضدّ انتهاك قوانين الحرب، نحن مثل اللّاعب الذي لا يتوقّف عن اللّعب بشكل غير نزيه، ولكن في اللحظة التي يلمسه فيها أحد، يرمي نفسه على الأرض ويصرخ: خطأ!».
ومن جانبه، توعّد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بمحاسبة القيادة في طهران، في حين قال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير: «ستكون هناك أيام صعبة أخرى، لكن تذكّروا دائماً هيروشيما وناغازاكي»، في تلميح إلى استخدام القوّة المدمّرة.
أمّا وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فقال إنه ورئيس الحكومة أعطيا تعليمات إلى الجيش بـ«بتكثيف الضربات ضدّ أهداف إستراتيجية في إيران، وضدّ مؤسّسات الحكم، من أجل إزالة التهديدات وزعزعة النظام». وهدّد كاتس باغتيال المرشد الإيراني، الذي «لا يجب أن يُسمح له بالبقاء».
كما لفت إلى أنه «لا يوجد نقص في الصواريخ الاعتراضية» ضمن منظومات الدفاع الجوي في إسرائيل، وذلك في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني، ونِسب الاعتراض المنخفضة. وكانت نقلت وسائل إعلام عبرية تصريحات للقائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي، ران كوخاف، لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال فيها إنّ «صواريخ الاعتراض ليست كحبوب الأرز، عددها محدود. إذا كان من المتوقّع أن يصيب صاروخ مصافي حيفا، فمن الواضح أنّ اعتراض هذا الصاروخ أهمّ من اعتراض صاروخ سيسقط في صحراء النقب، الحفاظ على مخزون صواريخ الاعتراض يمثّل تحدّياً كبيرا».
في غضون ذلك، تستمر عمليات النزوح من منطقة الوسط في إسرائيل، مع ارتفاع عدد طلبات التعويض؛ إذ ذكرت «القناة الـ12» العبرية أنه منذ بدء الحرب على إيران، تلقّى مركز صندوق التعويضات، 25,056 طلب تعويض من المستوطنين، منها:
– 20,370 طلباً عن أضرار في المباني؛
– 2,087 طلباً عن أضرار في المركبات؛
– 2,468 طلباً عن أضرار في المحتويات والمعدّات؛
– إجلاء حوالى 5,000 مستوطن من منازلهم.