اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

لبنان على لائحة «المخاطر العالية» الأوروبية: المزيد من الحصار؟

ماهر سلامة

شهد لبنان تصعيداً في الأيام الأخيرة، عندما أضيف إلى قائمة الاتحاد الأوروبي للدول «العالية المخاطر» في ما يخصّ عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

يواجه البلد ضغوطات خارجية كبيرة لـ«تحسين» أدائه في هذا الملف، على شكل هذه التصنيفات وغيرها من التصنيفات التي تصدرها منظمات دولية مختلفة في السياق نفسه، مثل اللائحة الرمادية التي تصدرها «مجموعة العمل المالي».

ولا يمكن فصل هذه الضغوطات عن الضعوطات السياسية التي يتعرض لها البلد بعد الحرب الأخيرة ومحاولة إحكام الحصار عليه الذي يربط أي نهوض في مجال إعادة الإعمار والإصلاح وغيره، بمسألة «السلاح».

تصنف المفوضية الأوروبية الدول ضمن لائحة «العالية المخاطر» (High-risk jurisdictions) عندما تكون أنظمتها المحلية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT) تحتوي على «مشكلات إستراتيجية» تستدعي تحقيقات ومراقبة مشدّدة من قبل الجهات المالية في الاتحاد الأوروبي.

ويهدف هذا التصنيف إلى «حماية النظام والقوانين المالية الأوروبية من استغلالها في عمليات غسيل أموال أو تمويل جماعات متطرفة» بحسب المفوضية. ويستند هذا التصنيف، جزئياً، إلى تقييمات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF) إضافة إلى معايير فنية وقانونية تنظم فعالية الأطر الوطنية للشفافية والرقابة.

سترتفع كلفة التحويلات
المالية من الاتحاد الأوروبي التي تشكّل نحو 19% من إجمالي التحويلات إلى لبنان


وفي 10 حزيران 2025، أصدرت المفوضية الأوروبية تحديثاً للائحة الدول «العالية المخاطر» وأضافت فيها لبنان إلى جانب الجزائر وأنغولا وساحل العاج وكينيا ولاوس وناميبيا ونيبال وفنزويلا وموناكو. يعكس هذا التحديث «اكتشاف» المفوضية وجود «ثغرات إستراتيجية» في أطر لبنان الرقابية على العمليات المالية، ما يوجب على المؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي تطبيق معايير تحقق مُشددة عند التعامل مع كيانات وأفراد لبنانيين.

وبحسب الاتحاد الأوروبي، يتعين على المصارف والمؤسسات المالية في الاتحاد الأوروبي تطبيق إجراءات «العناية الواجبة المعززة» (Enhanced Vigilance) على جميع العمليات المالية المرتبطة بلبنان وباقي الدول المصنّفة جديداً، ومن ضمنها فتح حسابات جديدة أو تحويل الأموال من وإلى البلد، ما قد يؤدي إلى تأخيرات أو رفض معاملات في حال عدم استيفاء الشروط.

انعكاسات هذه الخطوة متعددة. أولها ارتفاع في كلفة التحويلات المالية (remittances) من الاتحاد الأوروبي. فقد اعتمد الاقتصاد اللبناني في السنوات الأخيرة على تحويلات المغتربين، إذ أصبح كثير من الأُسر يعتمد على هذه التحويلات التي أصبحت تشكّل نحو 25% من الناتج المحلي.

أما التحويلات من أوروبا، والتي سترتفع كلفتها بنتيجة هذا القرار، فهي تمثّل نحو 19% من مجمل تحويلات المغتربين، ما يسهم في تقلص قيمها، علماً بأنه قد يدفع المحولين نحو طرق غير تقليدية، لتحويل الأموال من دون المرور بالنظام المالي، إذا كانوا قادرين على إيجاد ثغرات تتيح لهم القيام بهذا الأمر.

أيضاً، ستتعقد آلية العمل بين المصارف اللبنانية والمصارف الأوروبية، إذ ستفرض هذه الأخيرة المزيد من الرقابة على أي عملية يقوم بها المصرف اللبناني، وسيكون صعباً على أي جهة لبنانية، سواء أكانت مصرفاً أم فرداً، فتح حساب في مصرف أوروبي من دون المرور بلائحة إجراءات طويلة ومعقدة قد تنتهي أحياناً إلى رفض فتح الحساب رغم عدم وجود مبرّرات واضحة. علماً بأن هذا الأمر يحصل قبل هذا التصنيف الجديد.

من الناحية الاقتصادية، قد تنعكس هذه الخطوة على الاستثمارات الخارجية، إذ قد يتردد المستثمرون الأجانب في ضخ رؤوس أموال جديدة إلى لبنان، مع العلم أن هذه الاستثمارات أصبحت معدومة في السنوات الأخيرة نظراً إلى الأزمة النقدية-المصرفية التي عاشها البلد.

في الواقع، يظهر بوضوح أن مسألة التصنيف تستخدم كورقة ضغط في المفاوضات الديبلوماسية بين لبنان والاتحاد الأوروبي، خاصةً ضمن مناقشات منح المساعدات المالية أو التبادل التجاري.

إن بقاء لبنان في هذه القائمة لمدة طويلة قد يضرّ بسمعته الدولية ويضعف موقفه عند التفاوض على تسهيلات مالية أو قروض من جهات دولية.

وهذا الضغط يتناغم مع ضغوط أميركية وضغوط تمارسها منظمات أخرى تهيمن عليها أميركا والاتحاد الأوروبي، في إطار تحقيق أهداف ذات طابع سياسي أمني وعسكري، إذ بات واضحاً بأن أي خطوة في اتجاه النهوض سواء في ملف إعادة الإعمار، أو في الإصلاحات الاقتصادية والمالية، أو حتى في أي مساعدات غربية، يتم ربطه مباشرة بمسألة «السلاح».

الاخبار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى