أميركا تسلّم تركيا أوراق سوريا: أديروها بمعرفتكم

بتسارع مطّرد، تعمل الولايات المتحدة الأميركية على تسليم تركيا مهمة إدارة الملف السوري، بعد تعيين سفيرها في أنقرة، توم باراك، مبعوثاً خاصاً لسوريا، في سياق محاولتها التخلص من عبء هذا الملف، خصوصاً بعدما شرعت الإدارة السورية في تنفيذ الشروط التي فرضتها عليها واشنطن لإعادة العلاقات مع دمشق، والتي تبعها تعليق العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، لمدة 180 يوماً.
وفور تعيين الولايات المتحدة مبعوثاً خاصاً لها يعمل من أنقرة، سافر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بصحبة وزير خارجيته، أسعد الشيباني، إلى تركيا، حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وعدداً من المسؤولين الأتراك، قبل أن يجتمع بالسفير الأميركي، في لقاء خارج عن مألوف البروتوكولات المعهودة، والتي يزور بموجبها المبعوث الخاص الدولة التي تم تكليفه بملفها، ويلتقي رئيسها في مكتبه، وليس على أرض دولة أخرى.
وحمل اللقاء الذي انعقد في تركيا جملة من الرسائل الأميركية، المباشرة وغير المباشرة؛ إذ أكّد اعتماد واشنطن على أنقرة بشكل كامل من جهة، كما لم يمنح الإدارة السورية الاعتراف الكامل على الرغم من لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الشرع، في العاصمة السعودية الرياض، وما تبعه من لقاء على مستوى وزراء الخارجية جمع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، والشيباني، في أنطاليا، على هامش اجتماع لوزراء خارجية دول «الناتو».
وأعلنت الإدارة الأميركية – والتي كانت اشترطت على الشرع اتخاذ جملة خطوات لبدء علاقة مع إدارته، أبرزها طرد الفصائل الفلسطينية من سوريا وإبعاد المقاتلين الأجانب -، عبر أكثر من مسؤول، بينهم ترامب ووزير خارجيته، قبول الرئيس السوري الانتقالي بالانضمام إلى اتفاقيات «أبراهام» لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الطريق الذي يبدو أن الشرع يسير عليه، بعد تسريب معلومات عن لقاءات عديدة أجراها مسؤولون من إدارته مع آخرين إسرائيليين، سواء في تل أبيب، أو في الإمارات، أو في أذربيجان.
وخلال اللقاء الذي جمع الشرع بالمبعوث الأميركي إلى سوريا في إسطنبول، أشاد الأخير بالأول «للخطوات الملموسة التي اتخذها لتنفيذ توصيات الرئيس ترامب في ما يتعلق بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، والتدابير الرامية إلى مكافحة داعش، والعلاقات مع إسرائيل، والمخيمات ومراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا»، وفق تعبيره.
ورأى في منشور مطوّل له على موقع «أكس»، أن «مأساة سوريا ولدت من الانقسام وأن ميلادها الجديد يأتي عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها»، مضيفاً «(أننا) نقف إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا، ليس بالجيوش وإلقاء المحاضرات أو بالحدود الوهمية». كذلك، انتقد في منشوره الذي حاول من خلاله رسم توازن للعلاقات مع تركيا ودول الخليج، السياسة الغربية السابقة في المنطقة. وقال إن «الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدوداً مرسومة بالحبر، وإن اتفاقية سايكس بيكو قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية لا من أجل السلام»، متابعاً أن «ذلك التقسيم كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها ولن يتكرر مرة أخرى، وزمن التدخل الغربي انتهى والمستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل»، وفق تعبيره.
ويكشف خطاب باراك الذي يتسق بشكل كامل مع التصريحات التركية التي لطالما انتقدت تقسيم المنطقة بعد انهيار الخلافة العثمانية، عن طبيعة تفكير الرجل الموثوق بالنسبة إلى ترامب، والمتمتع بعلاقات قوية مع إردوغان، الذي أعلن، من جهته، أكثر من مرة، رغبته في إعادة «أمجاد» هذه الخلافة، وبات في الوقت الحالي يسيطر على الملف السوري بشكل كبير، ويسعى لمدّ نفوذه العسكري نحو وسط سوريا، بالإضافة إلى المنطقة الساحلية.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «Türkiye» المقرّبة من الحكومة أن أنقرة تعمل على إنشاء قواعد جوية وبرية وبحرية على الأراضي السورية، في إطار التحالف الإقليمي الذي أنشأته، ويضم العراق والأردن، تحت عباءة «مكافحة الإرهاب»، وهو ما أعلنت إسرائيل رفضها له، قبل أن تخوض جولات من المباحثات الأمنية مع تركيا، في أذربيحان، بدفع أميركي، أفضت إلى إنشاء «خط اتصال ساخن لمنع الاحتكاك»، بالإضافة إلى الاتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري.
وعلى خط مواز، وفي إطار استعدادات الولايات المتحدة لتخفيض عديد قواتها في سوريا من ألفي عنصر إلى نحو 900، الأمر الذي يتطلب ضمان وضع السجون والمعتقلات والمخيمات التي تضم مقاتلي تنظيم «داعش» وعائلاتهم، أعلنت «الإدارة الذاتية»، في شمال شرق سوريا، توصّلها إلى اتفاق مع السلطات السورية الانتقالية على تنظيم آلية تهدف إلى إخراج العائلات السورية من مخيم «الهول». وأوضحت أنه تمّ الاتفاق على وضع آلية مشتركة لإعادة تلك العائلات إلى مناطقها الأصلية، بعد زيارة أجراها وفد من السلطات الانتقالية إلى المخيم، أول أمس، بحضور وفد من قوات «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي ما يتعلق بملف العقوبات التي أعلن ترامب رفعها عن سوريا، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية قراراً يمنح تخفيفاً فورياً لمدة 180 يوماً من العقوبات الإلزامية المفروضة بموجب قانون قيصر، والذي يتطلب تعليقه موافقة الكونغرس، الأمر الذي دفع ترامب إلى منح إعفاءات زمنية وفق رخصة قابلة للتجديد. وإلى جانب تجاوز أزمة موافقة الكونغرس، تمثّل هذه الرخصة سلاحاً أميركياً يمكن استعماله في أي وقت، ما يعني ضمان وقف الرخصة وإعادة العقوبات حيثما تريد واشنطن، التي أعلنت مراقبتها الأوضاع في سوريا عن كثب.