السوريون ينتظرون زيادة الرواتب: الوعود شيء… والواقع شيء آخر

لمياء ابراهيم
على رغم الوعود المتكرّرة من جانب الحكومة السورية بزيادة رواتب الموظفين، يبدو أن تحقيق ذلك لا يزال بعيداً، خصوصاً في ظلّ غياب رؤية اقتصادية يمكن التأسيس عليها. وبعدما وعد الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، في بداية عهده، بزيادة الرواتب بنسبة 400%، أثار الإحجام عن الوفاء بهذا الوعد إلى الآن موجة استياء شعبية، نظراً إلى تدهور الواقع المعيشي للسوريين، إذ في ظل ضعف الإنتاج ومحدودية الموارد العامة والتضخّم وانهيار القدرة الشرائية، تبدو الحاجة ملحّة إلى تحسين الأجور بما يتناسب وواقع السوق المحلّية. ومن هنا، تُعلّق الآمال على المساعدات الخارجية والاستثمارت، لدفع فاتورة الزيادة المتوقّعة في الرواتب، والتي قدّرها وزير المالية، محمد أبازيد، بـ127 مليون دولار؛ علماً أن قطر كانت أعلنت تقديم منحة مالية شهرية لسوريا، بقيمة 29 مليون دولار، تمتدّ على ثلاثة أشهر قابلة للتجديد.
ويرى المواطن عمران عبد الله أن خطوة زيادة الرواتب “جريئة وصعبة على الحكومة في الوقت ذاته. لذلك، نحن في انتظار تطبيقها وإنْ تأخّرت”، معرباً عن اعتقاده بأن مساعدات الدول الداعمة ستساهم في تسريع تنفيذ الخطوة. ومن جهتها، تقول آلاء علي إن الإجراءات الجدّية والفعّالة لتحقيق الزيادة التي تم الإعلان عنها، لم تظهر بعد، فيما تخشى من أن تكون “زيادة الرواتب على غرار ما كانت عليه في عهد النظام السابق، أي مجرّد طباعة للنقد مع انفلات كبير في السوق”.
وتضيف: “أكثر ما يزيد الوضع سوءاً، هو عدم شفافية الحكومة مع المواطنين حول إمكانية تحقيق الأمن الاقتصادي لهم”. أمّا رنا الملاح، فتعتبر أنه “على الحكومة التفكير في خطّة اقتصادية متكاملة لرفع الرواتب وضبط الأسعار، بدلاً من انتظار المنح والمساعدات من الدول”، متسائلةً: “كيف ستؤثّر زيادة الرواتب، حتى وإن كانت بنسبة 400%، في حال استمرّ التضخّم ولم تتمكّن الحكومة من ضبط سعر الصرف، وتوقّفت المساعدات الخارجية؟”.
“الحكومة الحالية لا تزال تعمل بمنطق تمرير مرحلة ومواجهة الأزمات إسعافيّاً وليس تنمويّاً”
وأعلنت وزارة المالية، مطلع الشهر الجاري، عن خطة لزيادة الرواتب بنسبة 400% بشكل تدريجي، تبدأ بـ100% في شهرَي تموز وآب، تليها زيادتان بنسبة 200%، ومرحلة أخيرة بنسبة 100%. ويأمل السوريون ربط الرواتب بسلّة أسعار محدّدة لضمان الحد الأدنى من الكفاية، في ظلّ رواتب حالية لا تغطّي أكثر من 20% من نفقات الأسرة.
ويقول الأكاديمي والمستشار الاقتصادي، زياد أيوب عربش، إنه “من الناحية الاقتصادية، فإن زيادة الرواتب بنسبة 400% تفوق قدرة الدولة حالياً، طالما انخفضت الرسوم الجمركية والضرائب ولم يشتغل النشاط الاقتصادي بالكامل”. ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»: “لا يمكن النهوض بالاقتصاد المتهالك من دون بنية هيكلية لأجهزة الدولة ومؤسساتها برواتب تسمح للموظفين بتأدية الخدمات المطلوبة منهم تعاقدياً على أكمل وجه، مع التأكيد أن زيادة الرواتب تندرج ضمن خطّة رفع القدرة الشرائية للمواطن، موظفاً كان أو غير موظف، علماً أن الأخير ظلّ، طوال العقود الماضية، خارج التغطية الحكومية”.
ويكون ذلك “وفق ثلاثة مسارات: زيادة الرواتب، زيادة فرص التشغيل، وتخفيض نسب الإعالة، ضمن خطّة محكمة الصياغة وليس تصريحات من دون مؤشرات قابلة للتنفيذ”. ويشير عربش إلى أن “السياسة الاقتصادية يجب أن تعتمد على رفع العقوبات والدعم الدولي، واستغلال مكامن النمو في سوريا واجتذاب الشركات الإستراتيجية، والاستفادة القصوى من طاقات المغتربين، وتوجيه الجهود لزيادة الإنتاج وعدم استنزاف القَطع لاستيراد الكماليات، وحماية الصناعة والزراعة، وذلك بهدف تحقيق توافق الكتلة السلعية مع الكتلة النقدية واستقرار سعر الصرف بعيداً من المضاربات”.
ويرى أن “الحكومة الحالية لا تزال تعمل بمنطق تمرير مرحلة ومواجهة الأزمات إسعافيّاً وليس تنمويّاً، غير أن سوريا بحاجة إلى مشاريع نهضوية وتنموية ورافعة لمكامن النمو في بلد من المفترض أنه مندمج اقتصادياً واجتماعياً وقادر على جذب الاستثمار الأجنبي”.
الاخبار